للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيل لهم: كيف ذلك مع احتمال أن هذا الظاهر غير مراد، وأن هذا القياس خطأ؟

قالوا: ذاك احتمال غير ناشئ عن دليل صحيح، فهو كالعدم، وقد قرر متأخرو الحنفية هذا، وقالوا: إن العلم علمان: علم يقين، وعلم طمأنينة، ثم أطلقوا في كل منهما القطع.

والحاصل أنهم أطلقوا العلم والقطع على الظن الحاصل ببعض الدلالات، وإطلاق العلم على ذلك قريب لما مرَّ ويأتي، وأما القطع فاصطلاح لهم.

فيمكن أن يكون الإمام أحمد وداود والكرابيسي والمحاسبي أرادوا الرد على الطائفتين، فقالوا: إن خبر الثقة يفيد العلم. وأرادوا أن الأخذ به واجب؛ لحجج تفيد العلم اليقيني. وقالوا للجهمية: من تلك الحجج إجماع سلف الأمة، وكان معروفًا عنهم الأخذ بخبر الثقة، حتى في صفات الله عز وجل، وأحوال المحشر.

أقول: والسر في ذلك أنهم يطلقون من الصفات ما ثبت إطلاقه عن الله عز وجل ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولا يكيّفون ذلك ولا يبتغون تأويله، فصار الإطلاق قريبًا من الأحكام الفرعية، كالأذان والتشهد وأذكار الصلاة ونحوها. وما يقع في النفوس من ذلك لا يزيد عما يقع فيها من سماع آيات الصفات وتلاوتها.

وإذا رجع المنصف إلى عقله ودينه علمَ أنه لا ضرر من ذلك البتة. ولتوضيح هذا موضع آخر.

على أن ما يسميه الجهمية "براهين قطعية" ليست إلا شبهات مُضِلّة،