يعرض ما نشب بينه وبين أهل الشام من الخلاف على رجلين يعرضان ذلك على كتاب الله عز وجل وسنة رسوله، ويبينان ذلك، وقيل للتفويض إلى الرجلين "تحكيم"، وقيل لهما "حكمان" = ذكر الخوارج أن الله عز وجل قد قال في كتابه: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}[الأنعام: ٥٧، يوسف: ٤٠، ٦٧]. وقال سبحانه:{أَلَا لَهُ الْحُكْمُ}[الأنعام: ٦٢]. وقال تعالى:{لَهُ الْحُكْمُ}[القصص: ٧٠، ٨٨]، وقال تعالى:{فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ}[غافر: ١٢]. فتوهموا أن ذلك الحكم الذي رضي علي رضي الله عنه بجعله للرجلين هو من قبيل الحكم الذي أخبر الله عز وجل في كتابه أنه له وحده.
[ص ٤٢] ولو كانوا مؤمنين بقدر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وما جعل له من المنزلة، وما جعل لسنته من المنزلة في دينه= لرجعوا إلى من يعلم ذلك، وهو علي رضي الله عنه ومن بقي من الصحابة.
ولو رجعوا إليهم لأرشدوهم إلى تدبر سياق الآيات المذكورة، وذكَّروهم بغيرها، كقوله عز وجل:{يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ}[المائدة: ٩٥]، وقوله:{فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا}[النساء: ٣٥]، وقوله:{وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}[النساء: ٥٨]. ولبينوا لهم أن لفظ "الحكم" يجيء لمعانٍ، أذكر منها ثلاثة:
الأول: القضاء المحكم بالوجود أو العدم. أعني الإرادة التي يستحيل أن يتخلف عنها المراد. وهذا هو المعنيُّ في الآيتين الأوليين بدلالة سياقهما:
قال الله عز وجل: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي