للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} [الأنعام: ٥٧]. يعني ــ والله أعلم ــ أنني وإن أردت ما تستعجلون به فليس إرادتي بالإرادة التي يستحيل أن يتخلف عنها المراد، وإنما ذاك لله عز وجل.

وقال سبحانه في شأن يعقوب: {وَقَالَ يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [يوسف: ٦٧]. المعنى ــ والله أعلم ــ أنني وإن أردت بما أرشدتكم إليه دفعَ الضرر عنكم، فليس إرادتي بالإرادة التي يستحيل أن يتخلف عنها المراد، وإنما ذلك لله عز وجل.

الثاني: الحكم الشرعي، بمعنى جعل الشيء حرامًا أو حلالًا، أو نحو ذلك.

وهذا أيضَا خاص بالله عز وجل. فأما ما حكي عن المعتزلة من قولهم: "إن للعقل حكمًا"، ففي العبارة تسامح يمكن أن يكون من الناقلين بقصد زيادة التشنيع.

وإنما الذي يقوله المعتزلة: أنه يمكن للعقل أن يدرك من غير طريق الشرع بأن حكم الله في هذا الشيء أنه حرام مثلًا.

وذلك أنهم يقولون: ما دامت أحكام الله عز وجل لا بد أن تطابق الحكمة فلا بد أن تلازمها، فكلما وجدت الحكمة وجد الحكم الذي تقتضيه. فإذا أدرك العقل الحكمة في شيء وأنها تقتضي التحريم، أدرك أن حكم الله تعالى في ذلك الشيء هو التحريم، وذلك كقتل النفس. فهم موافقون على أن الحكم بهذا المعنى لله وحده، وإنما الخلاف في أمور:

الأول: في أحكام الله عز وجل، أهي بمقتضى الحكمة؟