للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ألا ترى أنه أمر بالإصلاح أولًا وآخرًا، فقال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠)} [الحجرات: ٩ - ١٠].

والبغي لا بد أن يكون متحققًا من أول الأمر؛ فإنه لا يمكن أن تقتتل طائفتان إلا وإحداهما باغية. فعلم أنه إنما أمر بالقتال إذا أصرَّت الباغية على بغيها وأبت الصلح، فإذا وقع منها ذلك ثم بعد شيء من القتال رجعت إلى طلب الصلح زالت علة الأمر بقتالنا إياها في الحال. ويوضح هذا قوله في الآية: {فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ}.

وقريب من القصة أن يرفع رجل رجلًا إلى قاض ويُثبت عليه أنه قذفه، ويكون بين القاضي والقاذف عداوة، فيريد القاضي أن يحدَّه حد القذف، فيقول القاذف للقاضي: أنت عدوي، ولا آمن أن تكون جُرْتَ علي، فارفعني إلى قاضٍ أخر. فإذا توقف القاضي عن حده ورفعه إلى قاضٍ آخر، عالمًا أنه إن قضى بالحق فإنما يقضي بحده؛ لم يكن في هذا رائحة مما تقدم في الشبهة. فكذلك كانت القصة، بل القصة أولى من هذا؛ لأن القتال ليس حكمًا حتمًا كالحد، وإنما هو وسيلة للإرجاع إلى ترك البغي.

ومن ذلك أن الخوارج [لمَّا] سمعوا قول الله عز وجل: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: ١٢١]، وقوله