للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليهما إلا مَنْ ندر، ويمنع مَنْ تَعَلَّمَ ذلك مِنْ عَمَل ما يَخْتَلُّ به شيء من قوانين الخلق والأمر, كما يمنع الشياطين من ذلك، وقد بيَّنَ هذا في الآيات بقوله تعالى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}، هذا والسياق يدلُّ أن قولها: "لا أريد شيئًا إلا كان" محمول على المُحَقَّرَات فقط. على أن هذا التعميم إنما وقع من قول العجوز الفاجرة، ومِنْ ظن هذه الدُّوميّة لما رأت قصَّة القمح.

وفي القصة أنها رأت الرجلين أو قُل (الملَكَين) معلَّقَيْنِ بأرجلهما، فإن فُهِمَ من التعليق العذابُ فلا يجوز أن يكون هذا العذاب على التعليم؛ إذ كيف يُصِرَّان على المعصية مع أنهما يعذَّبان عليها ومع ذلك يقولان: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} ويؤكِّدان ذلك غاية التأكيد مع أن في الآثار التي سيأتي الكلام عليها [١٥٤] أنهما تابا وأنابا.

فإن قيل: لعلَّ العذاب على ذنبٍ آخر كما تدلُّ عليه الآثار الأخرى, فكذلك يبعد أن يصرّا على معصية مع تعذيبهما على أخرى ويقولان مقالتهما. والأقرب إن صدقت المرأة أنهما مُثِّلا لها كذلك ليكون أَبْلَغَ للتنفير, ولا عذاب ولا تعليقَ في نفس الأمر.

وموضعُ الفائدة في هذه القصَّة أنهما لا يُعَلِّمان شيئًا وإنما يقولان: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ}، فإذا أصرَّ الطالبُ قالا له: اذهب فبُلْ في ذلك التنور فيذهب فَيَعْرِضُ له خوف ورعب، فإن صَمَّم وبال فما هو إلا أن يبولَ فيخرجَ منه إيمانه ويَعْلَمَ السِّحْر.

فإن صحَّ هذا فلا إشكال في الآية أصلًا، بل المعنى: ولم ينزل السِّحر