للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يومئذ متوافرون، فما دروا ما يقولون لها، وكلُّهم هاب وخاف أن يفتيها بما لا يعلم إلا أنهم قالوا: لو كان أبواك حَيَّين أو أحدهما لكانا يكفيانك.

انتهى حديث ابن جريرٍ عند قولها: "ولا أفعله أبدًا"، والزيادة من المستدرك وسنن البيهقي، قال الحاكم: صحيح وأقرَّه الذهبيّ (١).

أقول: أما السند فلا كلام فيه، وإنما الشأن في هذه المرأة الدُّومِيَّة. ومَن تأمل القصة ومناسبتها للآية وسكوت الصحابة عن إنكارها علم أنه ليس من الإنصاف تكذيبها. وفيها بقاء الملكين إلى ذلك الوقت، وقد يشهد له قول الله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ} بصيغة المضارع المشعرة بالاستمرار, ولم يقل: وما علَّما، أو: وما كانا يعلِّمان، أو نحو ذلك.

وقد أنكر أبو محمَّد بن حزمٍ رحمه الله [١٣٥] بقاءهما، واحتجَّ بأن بابل موجودةٌ على وجه الأرض والناس يطوفون فيها ولا يرونهما، ومَنْ كان يؤمن بوجود الجنِّ والملائكة وإمكان أن يراهم بعض الناس بإذن الله تعالى لم يَخْفَ عليه الجوابُ (٢).

وقد يُحتجُّ على عدم بقائهما بقلَّة السِّحر على وجه الأرض، وبأنه لو كان الأمر كما زعمت الدُّوميَّة ــ أنَّ مَن تعلَّم لم يُرِدْ شيئًا إلا كان ــ لفسدت السماوات والأرض.

والجواب: أنه لا مانع أن يقال: إن الله عزَّ وجلَّ يمنع الناس من الوصول


(١) تفسير ابن جريرٍ ١/ ٣٤٧. المستدرك، كتاب البرِّ والصلة، حكاية امرأةٍ فزعت من عمل السِّحر، ٤/ ١٥٥. سنن البيهقيّ، كتاب القسامة، باب قبول توبة الساحر ... ، ٨/ ١٣٧. [المؤلف]
(٢) انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل ٤/ ٦٤.