أقول: أما تفسير ابن عباس ومجاهد فصريح في المعنى الأول، وأما قول قتادة فظاهر فيه؛ لأنه لا يوافق المعنى الثاني والثالث، فحمله على الأول مع ظهور احتماله له أولى من حمله على معنى آخر. وقد قدمنا أن الرامي لغيره بالسوء قد يسنده إلى سمعه، أو إلى بصره، أو إلى قلبه.
وأما قول ابن الحنفية فكأنه أخذه من آيات "الأنعام"، وهذا يدلك على اعتناء السلف بالنظر في النظائر من القرآن، وحَمْل ما قد يخفى منها على ما يظهر في نظيره، ويدل على أهمية ذلك.
ثم أقول: يمكن أنه إنما نص على شهادة الزور لعظم شأنها، لا لأنه يراها كل المعنى. ومثل هذا معروف عن السلف من تفسير الآية ببعض معناها. يريدون أن هذا مما تدلّ عليه.
وأولى من هذا أن يقال: إنه أراد بالشهادة مطلق الإخبار بما يسوء الناس. كأن تقول: رأيت زيدًا يشرب المسكر، أو سمعته [٥٥] يقول كذا، أو نحو ذلك؛ فإن هذا في معنى الشهادة في نسبة ذلك إلى زيدٍ، وإن لم يكن عند حاكم.
وبهذا تتفق أقوال السلف.
فقد اتفقت الجهات الثلاث الأخيرة على تعيين المعنى الأول، ولم يبق دون الجزم به إلا تلك الخدشة. وهي أنه لو كان المراد لكان الظاهر أن يقال: "ولا تقفُ أحدًا بما ليس لك به علم".