للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالحكم والشهادة ونحوهما؛ لأن في الكلام حذفًا حسَّنه ظهور المقصود.

وذلك أنه من المعلوم أن الجور في القول محظور مطلقًا، فذِكْر ما يقتضي تخصيص ذلك بالحكم والشهادة لا يمكن أن يكون للدلالة على الإذن فيما عداهما، وإنما هو تنبيه على عظم الشأن فيهما. وكأن التقدير: وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان في حكم أو شهادة [بحيث] يكون أحد الخصمين ذا قربى.

وعليه، فالآيتان متفقتان؛ لأن من جملة قفو الإنسان أن تحكم عليه أو تشهد؛ لأن من لازمِ ذلك غالبًا أن تنسبه إلى الظلم أو الخيانة أو الكذب أو المخاصمة بالباطل، وكل ذلك من القبائح.

وإن أبيتَ إلا اختصاص آية "الأنعام" بالحكم والشهادة ونحوهما، فلا حرج، وتكون آية الإسراء أعمَّ منها، وكلتاهما فيما يتعلق بالمظالم التي تقع بين الناس.

وهذا كافٍ في ترجيح المعنى الأول.

الجهة الرابعة: تفسير السلف.

أخرج ابن جرير (١) عن ابن عباس أنه فسر {وَلَا تَقْفُ} بقوله: "لا تقل".

وعنه أنه فسره بقوله: "لا ترْمِ أحدًا بما ليس لك به علم".

وعن مجاهد أنه فسره بقوله: "لا ترم".

وعن قتادة قال: "لا تقل: رأيتُ ولم تر، وسمعتُ ولم تسمع، وعلمتُ


(١) في "تفسيره" (١٤/ ٥٩٣ وما بعدها).