للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شَيْئًا} [يونس: ٣٦]. فكأنه يقول: هذه براهين قطعية، وهم يعرضون عنها، ويتبعون شبهات غايتها أن تورث ظنًّا ما، أي في بعض الأحوال، كما تقدم توضيحه. و {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}، أي: وإن تلك الشبهات لا تدفع عنهم شيئًا من البراهين القطعية، أي: من قيام الحجة بها، ووجوب اتباعها عليهم، وما يترتب على ذلك في الدنيا والآخرة.

وكذلك في آيات "النجم".

وإنما قال في آية "يونس": {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ} لأن منهم من كان يعلم بطلان الشبهات، وإنما أصرَّ على الكفر اتباعًا للهوى فقط، ولذلك قال في آية "النجم" الأولى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ}، وذلك على التوزيع، والله أعلم. أي: أكثرهم يتبعون الظن والهوى، وأقلهم يتبعون الهوى فحسب. فأما الآية الثانية فقوله: {إِنْ يَتَّبِعُونَ}. أي: أكثرهم، والله أعلم.

وعلى هذا، فالآية عامة محكمة لا يخص منها شيء البتة، والمسلمون جميعًا قائلون بموجبها، فإنهم إنما يحتجون بالدلائل الظنية ــ ومنها خبر الواحد ــ ما لم تعارضها براهين قطعية.

فإن قيل: قد يكون هناك برهان قطعي لم يعرفه العالم، فيعمل بالدليل الظني.

قلت: هذا غير داخل في الآية، لأن تقديرها كنظائرها كما علمت: "إن الظن (١) لا يدفع عن صاحبه من الحق شيئًا". ودفع الشيء إنما يكون بعد


(١) الأصل: "الحق" سبق قلم.