توجهه، والعالم إذا لم يعرف الدليل القطعي ولم يسمع به لا يصدُق عليه أن الدليل اتجه إليه فدفعه بالظن. فتدبر. والله الموفق.
قد يقال: فإن البراءة الأصلية يقينية، فهي من الحق، فعلى هذا لا يرفعها الظن، فلا تُرفع بخبر الواحد.
قلت: قولك "يقينية" إن أردت به أن استمرارها متيقن فباطل، وإن أردت أنه متيقنٌ أنها قد كانت قبلُ، فمسلَّم. ولكن المدار على ما هو يقين في الحالة الراهنة، وليست كذلك، بل قد يُتيقن ارتفاعها، كما إذا بُيِّن رفعُها بيقين. وقد يُظنّ، كما إذا كان الدليل الرافع عنها ظنًّا، فيصير بقاؤها وهمًا فقط، والوهم أضعف من الظن.
ولا يلزم من كون الظن لا يرفع اليقين الذي هو أقوى منه أن لا يرفع الوهم الذي هو دونه. بل الحق أنه كما أن الظن لا يرفع اليقين، فكذلك الوهم لا يرفع الظن.
فإن قلت: لكن البراءة الأصلية حجة إجماعًا، فهي مستندة إلى يقين، وخبر الواحد اختلف فيه.
قلت: أما أولًا فسنوضح أن خبر الواحد مستند إلى اليقين أيضًا.
وأما ثانيًا فالبراءة الأصلية إنما أُجمِع على صحة الاستناد إليها عند عدم الدليل.
فإن قلت: لكن لا نسلِّم أن خبر الواحد دليل.
قلت: أما أولًا فسنثبت ذلك بحججه إن شاء الله تعالى.