للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا معترَضٌ بوجوه:

الأول: أنه إخراجٌ لكلمة {يُغْنِي} عن المعنى الذي اطرد في القرآن في نحو هذا التركيب استعمالها فيه.

فإن كان أصله مجازًا فقد صار بالاطراد في تلك المواضع ــ مع كثرتها ــ في قوة الحقيقة، إن لم نقل: حقيقة. وفي إخراجه عن ذلك إخراجٌ للآية عن نظائرها الكثيرة في القرآن، وقد تقدم طائفة منها. ومنها قوله تعالى: {لَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ} [المرسلات: ٣١]، {وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} [الغاشية: ٧]، {فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} [إبراهيم: ٢١]، {فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ} [غافر: ٤٧].

والاسم الذي يلي "من" في هذه الآيات مدفوع، أي: متجه إليه ما في معنى "يغني" من الدفع، ولو جعلت "من" فيها للبدل لانعكس المعنى. إذ يصير المعنى: أن اللهب يغني، وكذلك الجوع، والعذاب، والنار. وذلك باطل قطعًا، فالواجب حمل هذه الآية على نظائرها الكثيرة، وإن أمكن حملها على خلافها.

الثاني: أن "من" البدلية قليلة، وإنما تحسُنُ حيث كان المعنى على الاستبدال والمعاوضة، كما في {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} [التوبة: ٣٨]، فقد قال تعالى: {اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ} [البقرة: ٨٦]، وقال سبحانه: {الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ} [النساء: ٧٤].