للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثالث: أن حمْلَ "شيئًا" على المفعولية المطلقة، أي: "شيئًا من الإغناء"= بعيدٌ.

ومع ذلك، فقد يقال: أقصى ما هناك أن يصير المعنى: إن الظن لا يغني عن الحق، فيكون المراد بالحق هو اليقين. وحاصله أن الظن لا يقوم مقام اليقين ولا يسدُّ مسدَّه، فوِزانُه قولنا: إن الشرطة لا يُغنُون عن الجند شيئًا من الإغناء. فحاصله: أن هناك مقاصد لا يغني فيها إلا الجند، كمهاجمة الأعداء الأقوياء، وصدّ هجماتهم، ونحو ذلك. وأن الشرطة لا يغنون في ذلك عن الجند شيئًا من الإغناء، وهذا لا يدفع أن يكون الشرطة محتاجًا إليهم ومنتفَعًا بهم، وتقوم بهم كثير من المصالح.

أقول: في هذا نظر، إذ قد يقال: عدم المنافاة إنما استُفيد من خارج، فأما ظاهر العبارة فالعموم، وذلك في قولك: "إن الظن لا يغني عن اليقين شيئًا من الإغناء"= واضح؛ فإنه ما من شيء يُتصور أن يُنتفَع فيه بالظن إلا وينفع فيه اليقين، فلو كان الانتفاع بالظن ثابتًا لكان قد أغنى عن اليقين في تلك الجزئية.

فإن قيل: فنقول بأن هذا العموم مخصوص، أما أولًا فأمور الدنيا غالبها قائم على الظن، والظن في كثير من الأشياء يغني عن اليقين. ألا ترى أنه كثيرًا ما ينتفع المريض بالدواء وإن لم يكن يتيقن أن الدواء ينفعه؟ وأن التجار كثيرًا ما يربحون وإن لم يكونوا متيقنين أنهم سيربحون؟ إلى غير ذلك. وأما أمور الدين فتُخصَّص بالأدلة الموجبة العملَ بالظن في مواضعه.

قلت: نعم، هذا جواب، ولكنني أرى لزوم هذا مما يوهن هذا المعنى،