للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- صلى الله عليه وآله وسلم - فلا تضرب له الأمثال". والقصة في "سنن الترمذي" (١).

وهذا يدل أن أبا هريرة كان يرى الوضوء مما مست النار، ولا يراه من الادِّهان بالدهن المطبوخ، ولا يرى بأسًا بالوضوء بالماء الحار.

وكلام ابن عباس يحتمل أنه إنما بناه على ما يفهم من لفظ الحديث، على ما ذكره أبو هريرة: "الوضوء مما مست النار"، فإنه إذا قلنا بعموم المقتضي يعم الادِّهان بالدهن المطبوخ، واستعمال الماء الحميم. فأما إذا كان المراد بالوضوء مما مست النار: ما غيَّرت النار كما ثبت في بعض الروايات، فلا يدخل ما لم تغيِّره تغييرًا ظاهرًا، كالماء.

وإذا كان المراد بالوضوء من ذلك الوضوء منه إذا طعمه الإنسان ــ كما هو المعروف عنهم ــ فلا يدخل الادهان والاغتسال، وإلحاقه بالقياس غير ظاهر؛ إذ غير مستنكر أن يورث أكل الشيء حالًا في البدن لا يورثها الادهان به ونحوه، كما في الخمر والسم وغير ذلك.

هذا، وقد زعم بعض أهل الرأي أن ابن عباس ردَّ خبر أبي هريرة بمجرد القياس، وجعل ذلك أصلًا في أن الصحابي الذي لم يشتهر بالفقه إذا أخبر بخبر مخالف للقياس كان القياس أرجح منه (٢).

كذا قال، ولعله يأتي الكلام في هذا إن شاء الله تعالى. والمقصود هنا التنبيه على أن هذه القصة ليست كما زعم، والله المستعان.


(١) رقم (٧٩).
(٢) انظر "أصول البزدوي" (١٥٩) و"أصول السرخسي" (١/ ٣٤٠) وغيرهما. وردَّ عليه من الحنفية: عبد العزيز البخاري وغيره، انظر "كشف الأسرار" (٢/ ٥٥٨) و"غاية التحقيق" (ص ١٦٤ - ١٦٥) و"دراسات اللبيب" (ص ٢٠٧ - ٢١٢).