للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن من أبين الظلم وأشنعِه أن ترجو لنفسك العذر والمغفرة، وتأبى ذلك لمن حاله مثل حالك في الجملة. ومثل هذا الظلم واقع كثيرًا، وإظهار شناعته يحتمل كلامًا أكثر من هذا، ولكن لذلك موضع آخر.

وقد وجدتُ من نفسي ومن غيري دليلَ وجود الهوى المشار إليه. وحسبك أن تكون شافعيًّا مثلًا، فتجد الشافعيةَ قد احتجوا بحديث، ومخالفيهم كالحنفية قد احتجوا بآخر، وأنت تريد النظر في الحديثين، هل تجد نفسَك تتمنَّى أن تجد حديثَ أصحابك قويًّا وحديثَ مخالفيهم ضعيفًا؟ فإذا وجدتَها كذلك فهذا هو الهوى.

وقد ترى أنه لا يضرك وجوده، وقد أوافقك على هذا، لكنك إذا نظرت أثر ذلك الهوى في نظرك، فحملك على الطعن في حديث الحنفية بوجهٍ يوجد مثلُه أو أشدُّ منه في حديث أصحابك، وأنت تعمى أو تتعامى عنه في حديث أصحابك، أو تدفعه أو تتأوله بدافعٍ أو تأويلٍ قد يوجد مثله أو أقوى منه لحديث الحنفية، ولكنك تعمى عنه أو تتعامى أو لا تراه شيئًا.

هذا وقد انفتح لك الباب، فإن كنت تحبُّ الحق فأَنْعِم النظر واعملْ بما ينبغي.

وكذلك إذا كنت عثمانيًّا تميل إلى تفضيل عثمان رضي الله عنه، ثم وجدتَ حديثين، أحدهما فيه فضيلة لعثمان، والآخر فيه غضاضة عليه، فإنك قد تكتفي في الأول بأن أئمة الحديث صححوه، ثم لا تكتفي في الثاني بمثل ذلك، بل يبقى في نفسك منه حزازةٌ، فإذا نظرتَ في حال رواته وجدته ينفرد به رجل قد عُرِف بشيء من التشيع، فتقدح فيه بذلك، ولعلك تكتفي بذلك. ولعلك لو نظرت في رواة الأول لوجدته ينفرد به رجل كان فيه ميلٌ ما عن أهل البيت.