قالوا: لأن الحميدي قد لقي سفيان، ولم يُتَّهم الحميدي بالتدليس، وهو ثقة، والظاهر من حال الثقة التنزهُ عن التدليس.
ثم قالوا: التدليس لا يُسقِط الثقة، فإذا صرح المدلس الثقة بالسماع فهو حجة.
وحاصل كلامهم أن التدليس ــ من جهة أنه مخالفٌ للأمانة والنصيحة مخالفةً مّا ــ لا يجوز أن يُتهم به من لم يثبت عنه من الثقات، ومن جهة أن تلك المخالفة خفيفة لا يُسقِط العدالة. فكذلك نقول: إن الرواية عن غير ثبتٍ حالها كحال التدليس، فهي مخالِفة للأمانة والنصيحة مخالَفةً مّا، فلا يُتهم بها من لم تثبت عنه، ولا تسقط العدالة.
وقد عقد الخطيب نفسه أبوابًا للتحذير من الرواية عن غير الأثبات. راجع "الكفاية"(ص ٣١، وص ٣٢ - ٣٤، وص ١٣٢، وص ١٣٥، و ١٥٦).
[ص ١٧] هذا، واعلم أن المعروف عن غالب أهل العلم من التابعين وأتباعهم تجنُّب الرواية عمن لا يُعتدُّ بروايته، لكونه كذابًا أو مشهورًا بالفسق أو شديد الغفلة، فإن اضطُرَّ أحدهم إلى الرواية عمن هذا شأنه بيَّن حاله، إلا أن يكون المروي عنه مشهورًا بذلك، فقد يستغني الراوي عنه بالشهرة عن البيان.
فالثقة المعروف بالعلم من التابعين أو أتباعهم إذا لم يوصف بالتساهل في الرواية عمن لا يُعتدُّ به، وكذلك الثقة المشهور ممن بعدهم إذا عُرِف بتجنبه الروايةَ عمن لا يُعتدُّ به= إذا روى أحد هذين عن شيخ ولم يبيِّن حاله،