فهذا أقوى ما رُوي في هذه القصة، وهو موقوف على ابن عباس كما رأيت.
فإن قيل: إنه وإن كان الراجح روايةً أنه موقوف فله حكم المرفوع؛ لأنه مما لا مسرح للرأي فيه، ولم يكن ابن عباس مُولَعًا بالإسرائيليات، كيف وهو القائل:"كيف تسألون أهل الكتاب عن شيءٍ، وكتابكم الذي أُنزل على رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أحدث، تقرؤونه محضًا لم يُشَبْ، وقد حدَّثكم أن أهل الكتاب بدَّلوا كتاب الله وغيَّروه وكتبوا بأيديهم الكتاب، وقالوا:{هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا}[البقرة: ٧٩]، ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم؟ لا والله ما رأينا منهم رجلًا يسألكم عن الذي أُنزِل عليكم"(١).
قلت: لعلَّه رضي الله عنه إنما أراد نهي المسلمين عن سؤال مَن لم يَزَلْ على كفره من أهل الكتاب, بدليل قوله: فوالله لا يسألكم أحد منهم عن الذي أنزل [١٦٣] عليكم، فإنهم هم الذين لا يسألون المسلمين، فأما مَن أسلم منهم فإنه يسألنا كما لا يخفى.
أو لعلَّه إنما نهى من لم يرسخ الإيمان والعلم في قلبه خوفًا عليه من الضلال.
وأظهر من ذلك أن يكون إنما نهى عن سؤالهم للاحتجاج في الدين بما يحكونه، فأما ما كان من قَبِيل الوقائع التاريخية التي تتعلق بما في القرآن فلم
(١) البخاريّ، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنَّة، باب قول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيءٍ"، ٩/ ١١١، ح ٧٣٦٣. [المؤلف]