الخامس: اللغو، كأن تشير لبصيرٍ إلى كتاب، قائلًا:«هذا فرس»، قاصدًا هذا القول، مع عدم ملاحظتك لعلاقة معتبرة، ومع علمك بالقرينة الدالة للمخاطب على أن المشار إليه ليس بفرس.
أقول: وهذا الخامس يصدق عليه تعريف الكذب.
فإن قيل: فلماذا لم يذكروا في الأقسام ما إذا استعملت الكلمة في غير ما وضعت له لعلاقة معتبرة، ولكن لم تُنصب قرينة معتبرة، كما إذا كنت لم تر غرابًا، وإنما رأيت رجلًا مشؤومًا، فقلت لمن لا يعرف الواقع:«رأيت غرابًا»، ولم تنصب قرينة.
قلت: هذه الصورة غير واردة عليهم؛ لأنهم يحكمون فيها بأن الكلمة إنما استعملت فيما وضعت له، ولذلك إذا تبين لهم الواقع جزموا بأن هذا الخبر كذب. فقد ذكروا في الكلام على الإسناد العقلي أن من أقسام الحقيقة قولك:«جاء زيد» وأنت تعلم أنه لم يجئ.
وقال السعد في «المطول»(١) بعد هذا المثال: «فهذا أيضًا إسنادٌ إلى ما هو له عنده في الظاهر؛ لأن الكاذب لا ينصب قرينة على خلاف إرادته».
ثم ذكر بعد ذلك ما يؤخذ منه أنه لو كانت مع هذا قرينة، فإن كانت هناك علاقة فمجازٌ، وإلا فمن القسم الخامس الذي سميناه لغوًا.
فعُلِم من هذا أنه عند عدم القرينة يكون كذبًا، سواءً لوحظت علاقة، أم لا.