الأولى: أن ترى إنسانًا من بعيد، فتظنه غرابًا، فتقول:«رأيت غرابًا»، مريدًا بذلك وفق ما ظننته.
الثانية: أن تعلم أنه إنسان، ومع ذلك تقول لمن تراه لا يعرف الواقع:«رأيت غرابًا»، وتتأول في نفسك الغراب بإنسانٍ مشؤومٍ، ولا قرينة.
الثالثة: أن تعلم أنه إنسانٌ، ومع ذلك تقول لمن تراه لا يعرف الواقع:«رأيت غرابًا»، ولا تتأول في نفسك.
فكل من هذه الصور يصدق عليه أنه دعوى باطلة، وأنه كذب. أما الأولى والثالثة؛ فظاهر، وأما الثانية؛ فبحسب الظاهر المحكوم به، إذ لا عبرة بالتأويل النفسي مع عدم القرينة.
لكن الصورة الأولى أولى بأن تسمى دعوى باطلة؛ لأنها كما شاركت الأُخريين في ظهور الدعوى بحسب ظاهر اللفظ، امتازت عنهما بتحقق الدعوى في الاعتقاد.
والأولى أبعد عن الكذب؛ لأن صاحبها مخطئ، وقد تقدم أن الغالب في العرف أن لا يقال فيمن كذب خطأً:«كذب»، وإنما يقال:«أخطأ»، ومن الناس من لا يسمي ذلك كذبًا البتة.
والاعتقاد أمرٌ معنوي، وكذلك التأويل في النفس. وظاهر الكلام يتعلق باللفظ، وكذلك القرينة. والاستعارة تشتبه من حيث المعنى باعتقاد الباطل؛ لأنها مبنية على دعوى دخول المشبه في جنس المشبه به، وتخيل ذلك في النفس، فهي من هذه الجهة مشابهة للصورة الأولى، ولكنها تفارقها ببناء الدعوى في الاستعارة على التأويل.