والاستعارة تشتبه بالكذب الذي لا خطأ فيه؛ لأن القائل:«رأيت أسدًا يرمي» يعلم أن الرجل ليس بأسد، فهي من هذه الجهة مشابهة للصورتين الأخريين، لكنها تفارقهما بالقرينة.
فقد بان بهذا وجه صنيع السكاكي، وبان به توجيه التفاسير الثلاثة، بل واتفاقها في المآل، فإن العلّامة حمل الدعوى الباطلة على الاعتقاد المخالف للواقع، وهذه هي الصورة الأولى، وحمل الكذب على خلاف ما في الضمير، وذلك في الصورتين الأخريين، فإن ظاهر الكلام فيهما كما هو مخالفٌ للواقع، فهو مخالفٌ لما في الضمير؛ لعلم المتكلم بخلاف ما أفهمه كلامه. وإنما خصَّ السكاكي ثم العلّامة الكذب بذلك لأنه كذبٌ اتفاقًا، لغةً وعرفًا.
والسيد فسّر الدعوى الباطلة بالجهل المركب، وهي الصورة الأولى، والكذب بالعمد، وذاك في الصورتين الأخريين، فاتفقا.
وعبد الحكيم ذكر أن الاستعارة من حيث المعنى تشابه الدعوى الباطلة، وقد علمت أن ذلك إنما يتحقق في الصورة الأولى؛ لتحقق الدعوى في الاعتقاد، وهو أمر معنوي.
وذكر أنها من حيث اللفظ تشابه الكلام الكاذب، والأَولى بملاحظة ذلك الصورتان الأخريان؛ لأنهما كذبٌ اتفاقًا، لغةً وعرفًا، وكذب الكلام فيهما آكد لمخالفته لما في الواقع ولما عند المتكلم، ومدار الكذب فيهما على اللفظ فقط لمطابقة علم المتكلم للواقع.
والمقصود أن هؤلاء اتفقوا على أن الصورة الثانية كذبٌ، وأن إضمار التأويل لا يدفع الكذب.