سوق الدليل مجرَّدًا عن قوله بحسب الظاهر. ثم قال: ثم الكذب لازم لإرادة المعنى الحقيقي، فارتفاعه إنما هو بإرادة المعنى المجازي، والدال عليه هو القرينة، فانتفاء الكذب لأجل وجود القرينة.
أقول: أولُ كلامه مستقيم، فأما قوله:«والمناسب ... » فعجيب، فإن الشارح حكى استدلال المستدل ليجيب عنه، واستدلال المستدل مبيِّن لدعواه، فأنَّى يكون للشارح أن يتصرف في استدلال المستدل فيغيِّره ويُعمِّي مقصودَه، ثم يجيب بحسب ذلك؟ وأما آخر كلام المعترض فقد عُلِم ما فيه مما تقدم.
هذا، والجواب الصحيح عن قول الظاهرية هو أن يقال: ما ذكرتموه من أن المجاز كذب بحسب الظاهر تريدون به أن صورته في بادئ النظر صورة الكذب= ليس مما يقتضي قبحًا في الكلام ولا عيبًا للمتكلم ما دام المقصود واضحًا، بل إنه إذا وقع المجاز موقعَه كان ذاك التصوير أو التخييل من أوكد الوجوه في بلاغة الكلام وقوة تأثيره في المخاطب، وهذه مصلحة عظيمة لا يحسن إهمالها توقِّيًا مما يتراءى في بادئ النظر من المشابهة للكذب.
كيف وهذا الترائي لا يشتبه على عاقل؟
نعم، المقال الذي مثّلتم به ــ وهو قولك للبليد:«هذا حمار» ــ فيه شناعة وبشاعة يَجِلُّ عن مثلها الكتابُ والسنة، وليست هي أن الصورة صورة الكذب، بل هي أن فيه تحقيرًا وإهانةً للبليد لا يستحقها، لأن البلادة أمرٌ جِبلِّي لا كسبي، ألا ترى أنه لو قيل:«مثلُه كمثل الحمار» أو «كأنه حمار» لكانت الشناعة والبشاعة بحالها، لكن لما وقع هذا التشبيه [ص ٣٩] موقعَه في قوله تعالى: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا}[الجمعة: ٥]، وقوله سبحانه: