للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ} [المدثر: ٥٠]، وقوله عزَّ وجلَّ: {كَمَثَلِ الْكَلْبِ} [الأعراف: ١٧٦] = اندفعت تلك الشناعة عن الكلام والمتكلم، وانحطَّتْ على المشبَّه لاستحقاقه لها.

واعلم أننا إذا فرضنا في كلام أنه يُفهِم خلافَ الواقع، وأنه لم تكن معه قرينة تصرف عن ذلك، ولم يكن هناك وجهٌ لاحتمال أن يكون المتكلم عجزَ أو جهلَ أو أخطأ، فإنه يلزم من ذلك أن يكون المتكلم أراد أن يكون كلامه ذاك مُفهِمًا خلافَ الواقع، وهذه إرادة تبعها العمل بمقتضاها، وهو الإتيان بذاك الكلام، وأقام المتكلم عليها الدليل، وهو ذاك الكلام. فهبْ أنه تأوَّل في نفسه لذاك الكلام معنًى واقعًا، فهل حقُّه أن يؤاخَذ بإرادته التي عمل بمقتضاها وأقام عليها الدليلَ، أم بتأويله في نفسه؟ وتأويله في نفسه غيبٌ عن المخاطب، ومع ذلك فقد أقام المتكلم الدليل على خلافه، ولو ساغ للمتكلم أن يعتدَّ على المخاطب بمثل هذا لساغ من باب أولى أن يعتدَّ عليه بأمرٍ في نفسه لم يتكلَّم به. وهذا هو التكليف بعلم الغيب والتكليف بما لا يُطاق، فإذا كان غيرَ جائز فأولى منه ما أقام المتكلم الدليلَ على خلافه.

وما مثل ذاك التأويل إلّا مثل من يَعمِد إلى خمرٍ يعلم أنها خمر محرمة، فيخيِّل لنفسه أنها شراب تفاح أو نحوه من الأشربة المباحة، ثم يشربها مع ذلك العلم وذاك التخيل.

ويَعمِد إلى امرأة أجنبية يعلم أنها أجنبية لا تحلُّ له، فيخيِّل لنفسه أنها امرأته، فيواقعها مع ذاك العلم وذاك التخيل، فهل ينفعه ذاك التخيل عند الله تعالى وعند عباده، فلا يُحكَم عليه بأنه شاربُ خمرٍ زانٍ؟

فإن قيل: فلماذا تأول إبراهيم عليه السلام في كلماته، فأراد بقوله «هي