أختي» الأخوة في الدين؟ ولماذا قال جمعٌ من أهل العلم في الكذب المرخَّص فيه: إن شرطه أن يتأول المتكلم في نفسه معنًى صحيحًا؟
قلت: أما كلمات إبراهيم عليه السلام فسيأتي النظر فيها ونوضِّح أن حاله كانت قرينة تدافع ظاهر الخبر، فيبقى معها مجملًا، وتلك الحال هي أنه كان يرى أنه إن [ص ٤٠] لم يُوهِمْهم أن المرأة أخته بطشوا به، وذاك الإيهام لدفع مفسدة، ولا تترتب عليه مفسدة، فهذه الحال مظنة الترخّص في الكلام. فلو لاحظَ المخاطبون هذا لصار الخبر عندهم في معنى المجمل فلا يكون كذبًا، وإذا لم يلاحظوا كانوا هم المقصرون.
وهذا إنما يفيد المباعدة عن الكذب الصريح إذا تأوَّل في نفسه تأويلًا قريبًا، وذلك لوجهين:
الأول: أنه إن لم يتأوله تأويلًا قريبًا لم تُخرِجْه القرينة ــ وإن كانت صريحة ــ عن أن يكون كاذبًا، كما في قولك مشيرًا إلى كتاب:«هذا فرس»، ومثله ما لو أشرت إلى رجل فقلت:«هذا حمار»، ولم تتأول حتى لو كان الرجل بليدًا في نفس الأمر، فإن هذا لا ينفعك لأنك لم تبْنِ عليه.
الوجه الثاني: أن التزام التأويل القريب في النفس يستلزم أن يجيء الكلام قريبَ الاحتمال للمعنى الصحيح، فإذا تنبَّه المخاطب لحال المتكلم ــ وقد قدّمناها ــ قوِي عنده احتمالُ التأويل، وإن كانت تلك الحال كأنها قرينة ضعيفة. وإذا لم يتأول المتكلم في نفسه تأويلًا صحيحًا قريبًا، فقد يجيء الكلام بعيدًا عن احتمال التأويل، فلا يباعده عن الكذب الصريح حتى القرينة الواضحة، فضلًا عن تلك الحال الذي ذكرناها.