وما ذاك إلا لوضوح الفرق عندهم، وعلمهم بأن سؤالهم من الملائكة دعاءٌ وعبادةٌ للملائكة، وأن ما يقع من المسلمين ليس من الدعاء الذي هو عبادة لغير الله تعالى.
٦ - كانوا يعلمون طاعة المسلمين للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في الأحكام الدينية، ويعلمون أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يدعو الناس إلى طاعته فيها. ولم يتشبث أحد منهم بذلك، كأن يقول: إن محمدًا يزعم أننا نعبد ونؤلِّه رؤساءنا والشياطين والأهواء بطاعتنا لهم في أمور الدين، فكيف يدعو الناس إلى طاعته في الدين، ويقر من اتبعه عليها، ثم يزعم أنه لا إله إلا الله، ولا تنبغي العبادة لغيره تعالى؟
ما ذلك إلا لعلمهم بوضوح الفرق بين الطاعتين، وأن ما وقع منهم مما ذكر حريٌّ أن يكون عبادة وتأليهًا لمن أطاعوه تلك الطاعة، واتخاذًا له ربًّا وندًّا، وأن ما يدعو إليه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ويقرّ عليه من طاعته في الدين ليس عبادة له ولا تأليهًا.
هذا كله يوضح أنهم كانوا يعرفون أن العبادة هي الخضوع، طلبًا للنفع الغيبي. فما كان كذلك، فإن كان الله تعالى أنزل به سلطانًا، وأقام عليه برهانًا، فهو عبادة لله سبحانه، ولو كان يتراءى من ظاهره أن فيه خضوعًا لغيره تعالى. وإن لم يُنزل به الله سلطانًا، فهو عبادة وتأليه لغيره.
فقد عرفوا أن الثلاثة الأمور الأولى عبادة؛ لأنها خضوعٌ يُطلَب به نفع غيبي.