للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما الثاني؛ فلأن الملائكة أنفسهم غيب؛ لأنهم لا يعلمون بطريق عادية أنهم منهم بحيث يسمعون خطابهم، أو بحيث يبلغهم بطريقٍ عاديةٍ كما يعلم الإنسان أن صاحبه حي بهذه الحياة الدنيا قريب منه، [ص ٩٦] بحيث يسمع كلامه في العادة، فيخاطبه بكلام يسمعه، أو بعيد عنه فيرسل إليه رسولًا، أو يكتب إليه كتابًا، أو يرفع صوته بمحضر الناس لعل بعضهم يبلغه.

وأما الأمر الرابع؛ فقد عرفوا أنه عبادة، كما مرّ.

وأما الأمر الخامس؛ فقد عرفوا أنه ليس بعبادة؛ لأن المسلمين إنما كانوا يسألون من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الدعاء وهو حي هذه الحياة الدنيا، وبطريق عادية على نحو ما مرَّ قريبًا، حتى كانوا إذا كانوا بعيدًا منه - صلى الله عليه وآله وسلم - ولم يمكنهم الإرسال والكتابة، وأحبوا أن يعلم بأمرهم، قالوا: «اللهم بلِّغ عنا رسولك»، كما قال عاصم بن ثابت (١)، أو كما قال الخزاعي (٢):

اللهم إني ناشدٌ محمدًا ... حِلْفَ أبينا وأبيه الأتلدا

وكما قال خبيب بن عدي لما أراد المشركون قتله: «اللهم إني لا أجد من يُبلِّغ رسولَك مني السلام، فبلِّغْه» (٣).

وفي رواية (٤): «اللهم إنا قد بلَّغنا رسالة رسولك، فبلِّغه الغداةَ ما يُصنع


(١) أخرجه البخاري (٣٩٨٩، ٤٠٨٦) من حديث أبي هريرة ضمن قصة قتله.
(٢) هو عمرو بن سالم الخزاعي، والرجز في «سيرة ابن هشام» (٢/ ٣٩٤).
(٣) انظر «فتح الباري» (٧/ ٣٨٣).
(٤) انظر «سيرة ابن هشام» (٢/ ١٧٣) و «حلية الأولياء» (١/ ١١٣).