وخالف في هذا قوم فقالوا: إنما هو من الإسفار إلى غروب الشمس. فعند هؤلاء لا يحرم على الصائم الأكل وغيره بطلوع الفجر، وإنما يحرم بالإسفار، مع موافقتهم على أن وقت صلاة الصبح يدخل بطلوع الفجر.
الحكم الثاني: أنه يحرم على الصائم ذلك كلُّه ليلةَ الصيام بعد النوم فيها، فمن نام بعد المغرب ثم استيقظ وهو يريد أن يصبح صائمًا لم يحل له الأكل ولا الشرب ولا الجماع بقيةَ ليلته، ثم يحرم عليه ذلك أيضًا في تمام اليوم بمقتضى الحكم الأول. ومن لم ينم لم يحرم عليه شيء في ليلته، وإنما يحرم عليه في نهاره بمقتضى الحكم الأول.
فكان الأمر كذلك حتى ظهرت في الناس شدة الحكم الثاني ومشقته عليهم، فكان من ذلك أن بعضهم كان يعود إلى بيته في أثناء الليل، فيريد امرأته، فتأبى عليه زاعمة أنها قد نامت في ليلتها تلك، وهي ليلة صيام، تريد أنه بنومها يحرم عليها ما يريده [ص ٥٠] منها، وأنه ليس له أن يوقعها في ما يحرم عليها، وإن كان هو لم ينم، فلم يلتفت بعضهم إلى قول أزواجهم ووقعوا عليهن.
وكان بعضهم تغلبه عيناه بعد المغرب قبل أن يأكل، فيمتنع من الأكل بقية ليلته، ويصبح صائمًا، فيشق ذلك عليه، مع أن أكثرهم كانوا أهل عمل، يعملون بأيدهم في حوائطهم وغيرها، فغُشي على بعضهم نصفَ النهار، فأنزل الله عز وجل: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ