للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي «صحيح مسلم» (١) أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أخبر ابنته فاطمة بموته، فبكت، فأخبرها أنها أسرع أهله لحوقًا به، فضحكت. فإخباره لها كان لمصلحة، وهي بشارتها بما تحبه؛ ليخفف ذلك من شدة حزنها، ويعينها على الصبر، وترتب ذلك على عمل صالح، وهو حسن الصبر، ففي بعض الروايات (٢) أنه قال لها: «فاتقي الله واصبري».

فمن تدبر ما تقدم حمله ذلك على تطلُّب معنى آخر، فيجده قريبًا، فإن الكناية بطول اليد عن كثرة الإنفاق قريبة جدًّا، والمناسب هنا هو الإنفاق في الخير، وهذا المعنى ينفي التصريح المخالف للحكمة، ولا يؤديه أن يقال: «أطولكن»، [ص ٥٤] فلم يكن بدٌّ من زيادة «يدًا»، وليس فيه حملٌ لهن ــ لو تدبرن فعرفنه ــ على التطاول في الجدار، أو غيره مما لا مصلحة فيه. وكثرة الصدقة عمل صالح تناسب أن ترتب عليها تلك الفضيلة المرغوبة.

ويُشبه ــ والله أعلم ــ أن لا يكون خفي عليهن هذا كله، ولكن تدافع عندهن الاحتمالان، فتطاولن بناء على أحدهما، وإن كان غير متعين عندهن، فلما ماتت زينب تعين أحد الاحتمالين قطعًا.

فإن قيل: ولماذا لم يصرح لهن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بأن يقول: «أكثركن صدقة» أو نحو ذلك؟

قلت: قد يكون خشي عليهن أن يعتقدن أنها غير معينة، وإنما المدار على كثرة الصدقة، فيحملهن ذلك على التباري في كثرة الصدقة، فيضر ذلك


(١) رقم (٢٤٥٠) من حديث عائشة.
(٢) رقم (٢٤٥٠/ ٩٨).