للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوصل ويكافئ على القطع؛ فهو من الوجه الأول، وإن أريد به المكافئ على الصلة بحيث يشمل المتواصلين اللذين لم يقطع أحد منهما صاحبه قطُّ، فهو من الوجه الثاني. فالصلة الكاملة أن تصل قريبك وإن قطعك، فإن اتفق أنه لم يقطعك قط كفاك في كمال الصلة أن تكون عازمًا على أنك لا تقطعه ولو قطعك. والقطيعة الكاملة أن تقطعه وإن وصلك، فإن اتفق أنه لم يصلك قطُّ كفى في كمال القطيعة أن تكون عازمًا على أن لا تصله وإن وصلك. والمكافأة ليست بصلة كاملة، ولا قطيعة كاملة.

إذا تقرر هذا، فحديث: «ليس الكذاب بالذي يُصلِح ... » إن حُمل على الوجه الأول، فالمعنى: أن جريان عادة الرجل بالسعي للإصلاح بين الناس، فيقول الخير، ويَنْمي الخير، ينافي أن يكون كذابًا، فإن الكذاب هو من كثر كذبه وفحش، فصار سجية له. وفي حديث «الصحيحين» (١): «وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذّابًا».

ومن كان كذلك إنما يتحرى ما يراه محصِّلًا لأغراضه في الدنيا، فإذا علم برجلين أو فريقين متخاصمين أتى هذا فجاراه على هواه، فيقول في خصمه الشر، وينمي عنه الشر، ليحصل غرضه منه، وإذا جاء الآخر جاراه على هواه أيضًا، فقال في خصمه الشر ونَمى الشر، فيزيد ذات بينهما فسادًا. فحاله حال المنافق، وفي حديث «الصحيحين» (٢) [ص ٦٩]: «علامة المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتُمِن خان».


(١) البخاري (٦٠٩٤) ومسلم (٢٦٠٧) عن ابن مسعود، واللفظ لمسلم.
(٢) البخاري (٣٣، ٦٠٩٥) ومسلم (٥٩) من حديث أبي هريرة.