وفوق هذا، فإنما يعتاد السعي بالإصلاح من يرجو أن يتيسر له ذلك، وإنما يتيسر لمن عُرف بالصدق، واشتهر به؛ لأنه هو الحريّ بأن يقبل كل من الخصمين قوله، ويعتمد على خبره، ومن عُرف بالكذب وشُهِر به بعيد عن ذلك.
فإن قيل: فما فائدة الحديث على هذا الوجه؟
قلت: من فائدته إرشاد المتخاصمينِ إلى أن يقبل كلٌّ منهما كلام المصلح الذي عُرف باعتياد الإصلاح، وقول الخير، ونمي الخير، ويعتمد على خبره؛ لأن تلك الحال شاهدة له أنه ليس بكذاب.
وعلى هذا الوجه لا يكون في الحديث ما يدل على الرخصة.
وكما أن حديث:«ليس المؤمن بالطعان ... »، وحديث:«ليس المؤمن بالذي يشبع، وجاره جائع إلى جنبه» = لا يقتضيان نفي الإيمان البتة، ولا إثباته في الجملة، فكذلك هذا الحديث لا يقتضي نفي الكذب البتة عمن اعتاد الإصلاح وقول الخير ونمي الخير، ولا إثبات الكذب في الجملة.
وكما أن ذينك الحديثين لا يقتضيان أنه على فرض ثبوت الإيمان في الجملة لا حكم له، والأدلة الأخرى تقتضي أن له حكمًا، وأنه نافعٌ في الدنيا والآخرة= فكذلك هذا الحديث لا يقتضي أنه على فرض ثبوت الكذب في الجملة ممن اعتاد الإصلاح لا حكم له، فيطلب حكمه من الأدلة الأخرى، والأدلة العامة في تحريم الكذب تتناوله.
وإن حُمل على الوجه الثاني، فالمعنى أن اعتياد الرجل الإصلاحَ فيقول