للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقوله بعد ذلك: «فإنهم قد استبيحوا وأصيبت أموالهم» إن نُظِر إليها مع الغفلة عما قبلها، سوى أن فيما قبلها ذكر محمد وأصحابه= فلا ريب أن الظاهر الواضح منها هو أن محمدًا وأصحابه استُبيحوا وغُنِمت أموالهم، وقد كان اشتهر كما تقدم ما يدل أن الذين استباحوا وغنموا هم يهود خيبر.

وأما إن نُظِر إليها بعد فَهْم ما قبلها على الوجه، فإن السامع يتردد للتعارض، فإن قوله: «أريد أن أشتري من غنائم محمد وأصحابه» ظاهرٌ بيِّن في أن محمدًا وأصحابه استباحوا أهل خيبر، وغنموا أموالهم، وقوله: «فإنهم قد استُبيحوا ... » ظاهرٌ في عكس ذلك.

وكما يحتمل أن يكون أراد بقوله: «غنائم محمد وأصحابه» أي الأموال التي كانت لمحمد وأصحابه قبل أن تُغنَم، فكذلك يحتمل أن يكون أراد بقوله: «فإنهم» أهل خيبر؛ لأنهم وإن لم يجرِ لهم ذكرٌ تصريحًا، فقد دل الكلام بمعونة القرينة على ذلك.

لكن المشركين لما كانوا يتمنَّون الشرَّ لمحمدٍ وأصحابه، ويحملهم تمنِّيه على تخيله= غفل أول من سمع كلام الحجاج منهم عن معنى الجملة الأولى، فلم يستقر في ذهنه منه إلا ذكر محمدٍ وأصحابه، ففهم أنهم هم الذين استبيحوا وغُنِمت أموالهم، ثم ذهب يخبر بحسب ما فهم.

فإن قيل: فإنه يبعد في العادة أن يقتصر المشركون على ما تخبر به امرأة الحجاج، أو من سمع الخبر معها، بل الغالب أن جماعة منهم إذا سمعوا الخبر يذهبون إلى الحجاج يستثبتونه. وفي القصة في «مسند أحمد» (١) أن


(١) رقم (١٢٤٠٩).