قلت: هذا لا يمنع أن يظن العلامة أن السكاكي أراد بالكذب في ذاك الموضع هذا المعنى، لكن قد يقال: فكذلك التأويل لا يطّرد فيه إخراجه الدعوى عن البطلان في نفس الأمر.
ففي المثال المتقدم قد يكون المرئي نجمًا في نفس الأمر، واعتقدتَ أنه نار فقلتَ:«رأيتُ نجمًا» مدّعيًا دخول تلك النار في جنس النجم.
وهذه الدعوى ــ لولا التأويل ــ صحيحة في نفس الأمر، باطلة في اعتقادك، فالتأويل إنما أخرجها عن البطلان في اعتقادك.
وقد يكون المرئي نجمًا وعرفت أنه نجم، ولكنك بنيتَ على زعم أنه نار، فقلتَ: رأيت نجمًا، على دعوى دخول المرئي في جنس النجم، فهذه الدعوى صحيحة في نفس الأمر، صحيحة في اعتقادك، وإنما أخرجها التأويل من الصحة إلى البطلان.
فقد كان على العلامة أن يلاحظ ما تقدم أن تفسير الدعوى الباطلة بما يكون على خلاف ما في الضمير ويريد به زعم المتكلم أنه قد أراد إفهامه. وقد يقال: لا مانع أن يلاحظ ما تقدم في شيء ويغفل عنه في غيره.
وقد عدل صاحب «التلخيص» عن صنيع السكاكي فقال (١): «والاستعارة تفارق الكذب بوجهين: بالبناء على التأويل ونصب القرينة على إرادة خلاف الظاهر». كأنه فهم أن مراد السكاكي بالدعوى الباطلة الدعوة الكاذبة، وأن مراده بالكذب مطلق الكذب. وعلى هذا جرى السعد في «شرحه»، زعم أن الباطل والكذب متحدان بالذات.