للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ظني؛ فيعترض بعضُ الناس كلَّ دليلٍ منها بانفراده، فيتوهم أن تلك القاعدة ظنية.

وهذا جواب قد يصحُّ في بعض القواعد لا جميعها، فإنَّ كثيرًا منها لا ترتفع دلالةُ أدلتِه بمجموعها عن الظن.

وقد يجاب بأن تلك القواعد وإن لم تكن قطعية في صحتها، فهي قطعية في وجوب الأخذ بها.

فقولنا: "الأمر يقتضي الوجوب" إذا لم يتيسَّر للمجتهد القطعُ بصحتها، فإنه قد يتتبع عدةَ أوامرَ خاليةٍ عن القرينة المقتضية للوجوب والصارفة عنه، فيستظهر اقتضاءها الوجوبَ، وأنَّ اقتضاء الوجوب مقتضَى الأمر، فيلزمه قطعًا الأخذُ بذلك؛ لاندراجه تحت أصل قطعي، وهو وجوب حمل الكلام على ظاهره ما لم يَصرِفْ عنه صارف. ولا شك أن المراد بالظاهر هنا ما يشمل الظاهر للمجتهد: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق: ٧].

وقد يُقدَح في هذا الجواب بوجهين:

الأول: أن ظاهر عبارات مشترطي قطعية الأصول، وصريحَ كلام بعضهم أنَّ مرادهم قطعية الصحة، لا قطعية وجوب الأخذ.

الوجه الثاني: أن قطعية وجوب الأخذ عامة في جزئيات الشريعة، فلا وجه لتخصيص الأصول منها.

وبيانه أنه ليس للمجتهد أن يقول في الدين إلا بما رآه دليلًا شرعيًّا، والأخذ بما رآه دليلًا شرعيًّا واجب قطعًا. فيقول في كل جزئية: أرى هذا دليلًا شرعيًّا، والأخذ بما أراه دليلًا شرعيًّا واجبٌ عليّ قطعًا.