نعم، قد يستفاد من هذا جواب آخر، وهو أنَّ القواعد التي تُذكر في أصول الفقه على ضربين:
الأول: الأصول الحقَّة.
الثاني: ضوابط تحيط بجزئياتٍ تندرج تحت أصل من الضرب الأول؛ فكما أنَّ المجتهد إذا سمع قول الله تعالى:{وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ [الْكِتَابَ] ... }[النور: ٣٣]. فرأى أنَّ ظاهر الكلام وجوب المكاتبة بشرطها، لزمه القول بها قطعًا؛ للقطع بوجوب حمل الكلام على ظاهره ما لم يصرف عنه صارف.
فقد وجب الأخذ هنا قبل استحضار قولنا:"الأمر يقتضي الوجوب"، غاية الأمر أنه قد يتبع عدة أوامر إلى آخر ما تقدم، فيضع هذا الضابط:"الأمر يقتضي الوجوب".
وعلى هذا فتسمية هذه الضوابط أصولًا لا يخلو من تسمُّح.
[ص ٤] ويجاب بأنَّ كثيرًا من القواعد إنما هي ضوابط لجزئيات كثيرة تندرج كلها في أصول قطعية.
فمن هذا قولهم:"الأمر يقتضي الوجوب"، و"النهي يقتضي التحريم"؛ فإنَّ الجزئيات التي تدخل تحت كل منهما تدخل تحت أصل "الكلام محمول على ظاهره ما لم يَصرِفْ عنه صارف". ولا ريب أنَّ الظاهر هنا يشمل الظاهر عند المجتهد ــ وقد خالفه غيره ــ، ويشمل الظاهر عنده ظنًّا، {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}.
فإذا نظر المجتهد في نص فيه أمرٌ، فوجد الظاهر اقتضاء الوجوب، علم أنَّ تلك الجزئية داخلة في أصل "الكلام محمول على ظاهره ... إلخ"، فلزمه