للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في هذه المسألة، فقال في تفسير التحرير والتنوير (١/ ٥٥٩) ــ بعد أن تكلَّم على كاد والاختلاف فيها ــ: "وزعم بعضهم أنَّ قولهم: ما كاد يفعلُ، وهم يريدون أنَّه كاد ما يفعل أنَّ ذلك من قبيل القلب الشائع، وعندي أنَّ الحقَّ هو المذهب الثاني وهو أنَّ نفيها في معنى الإثبات، وذلك لأنَّهم لمَّا وجدوها في حالة الإثبات مفيدةً معنى النفي جعلوا نَفْيها بالعكس كما فعلوا في (لو) و (لولا) ويشهد لذلك مواضع استعمال نفيها فإنك تجد جميعها بمعنى مقاربة النفي لا نفي المقاربة، ولعل ذلك من قبيل القلب المطَّرد، فيكون قولهم: "ما كاد يَفْعل، ولم يكد يفعل" بمعنى: كاد ما يفعل، ولا يبعُد أن يكون هذا الاستعمال من بقايا لغة قديمة من العربية تجعل حرفَ النفي الذي حقُّه التأخير مقدَّمًا، ولعلَّ هذا الذي أشار إليه المعري بقوله: "جرت في لساني جرهمٍ وثمود"، ويشهد لكون ذلك هو المراد تغيير ذي الرمة بيته (١)، وهو من أهل اللسان وأصحاب الذوق، فإنَّه وإنْ كان من عصر المولدين إلا أنَّه لانقطاعه إلى سكنى باديته كان في مرتبة شعراء العرب حتى عُدَّ فيمن يُحتجُّ بشعره وما كان مثله ليُغيّر شعره بعد التفكر لو كان لصحته وجه، فما اعتذر به عنه ابن مالك في شرح التسهيل ضعيف (٢)، وأمَّا دعوى المجاز فيه فيضعفها اطراد هذا الاستعمال حتى في آية: {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} فإنَّ الواقفَ في الظلام إذا مدَّ يده يراها بعناء، وقال تأبط شرًا: [فأُبْتُ إلى فَهْمٍ وما كدتُ آيبًا] وقال تعالى: {وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} "اهـ.


(١) روى القصة المرزباني بإسناده في الموشح (ص ٢٣٥).
(٢) شرح التسهيل (١/ ٣٩٩).