ولكن تعقيبه بقوله تعالى:{أَفَأَصْفَاكُمْ} يدل أنه لوحظ في ذلك الإطلاق حالُ أهل مكة في عبادتهم الملائكةَ، وكأن قوله تعالى:{وَلَا تَجْعَلْ} وقع على سبيل التعريض بهم من باب "إياكِ أعني واسمعي يا جارة"(١) , فكأن الخطاب في المعنى لهم, فكأنه قال: ولا تجعلوا يا أهل مكة مع الله إلها آخر، وأنتم تجعلون الملائكة, ولم تكتفوا بذلك حتى جعلتموهم إناثًا، ولم تكتفوا بذلك حتى قلتم بنات الله ــ تعالى الله عن قولهم ــ {أَفَأَصْفَاكُمْ} إلخ، وبهذا يتمُّ الارتباط.
إلى أن قال تعالى:{قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} , وهذا يحتمل وجهين:
الأول: أن يكون المراد: لو كان معه آلهة متصفون بالصفة التي يقول المشركون مِنْ كونهم ينتسبون إلى الله تعالى بالبنوَّة، [س ٤٠/أ]{إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا}؛ لأنهم يكونون مثله سبحانه؛ لأن الولد يشبه أباه سواء كان ذكرًا أو أنثى، فإذا كانوا مثله كانوا أكفاءه في القدرة فتسمو نفوسهم إلى منازعته الأمر؛ لأن كلًّا منهم له إرادة مستقلة، والإرادات تختلف.
ولا يرد على هذا الوجه أنَّ جَعْلَ {كَمَا يَقُولُونَ} قيدًا يوهم أنه لو كان هناك آلهة لكن ليسوا كما يقولون لما ابتغوا؛ فيُعارِضُ قوله تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}.
(١) مثل يضرب لمن يتكلم بكلام ويريد به شيئًا غيره، وأول مَن قاله سهل بن مالك الفزاري. مجمع الأمثال ١/ ٤٩.