للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غير ذلك لكنتُ كاذبًا مخادعًا، بل معناها: فلتحرر غير ما بدا لك تحريرُه، أي: غير ما أردتَ تحريره، وهذه العبارةُ كما تراها، والأولى أن نحملها على زيادة "غير" كما حملنا: لا عداك على زيادة "لا".

وقولك: "أفنى الناسَ الجوعُ" كان الأولى أن تجعل بدله: أفنى الناسَ الجهلُ، وكفرانُ النعم؛ فإنَّ الناس لم يشموا رائحة الجوع، فضلًا عن أنْ يفنيَهم، فإنهم بنعمة الله تعالى في ظلِّ كرمِ عبده مولانا أمير المؤمنين الذي غمر القريب والبعيد.

فأجابَ بجواب آخر أشدّ تخبُّطًا؛ فحبًّا للحقِّ راجعته كرَّةً أخرى، فذهب إلى بعض الفضلاء مُسْتنصرًا، وكان الأولى أن يذهب مُسْتبصرًا، فلعله صادفَ ما قال المتنبي:

إنَّما تنجَح المقالةُ في المرْ ... ء إذا صَادفتْ هوىً في الفؤادِ (١)

فأوحى إليه جوابًا هذا رَسْمُه:

"قال الشاعر:

وقلْ لمن يدَّعي في العلم توسعةً ... علمت شيئًا وغابت عنك أشياءُ (٢)


(١) انظر ديوان المتنبي بالشرح المنسوب للعكبري (٢/ ٣١).
(٢) البيت لأبي نواس من قصيدة مطلعها:
دع عنك لومي فإنَّ اللوم إغراء ... وداوني بالتي كانت هي الداء
ورواية البيت في الديوان (ص ٧):
فقل لمن يدّعي في العلم فلسفة ... حفظت شيئًا وغابت عنك أشياءُ