للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا قول مولانا أمير المؤمنين ــ عليه السلام ــ: "ولا تعدو على عزيمة جدهم بلادة الغفلات" فإيرادها من الغفلة؛ إذْ صرح فيها بـ (على) فليس فيها شبهة.

وأمَّا قوله: "فما عدا ممَّا بدا" فلـ (عدا) معانٍ كثيرة ــ كما في كتب اللغة (١) ــ تارةً بمعنى (جدَّ في سعيه)، وتارة بمعنى ظلم، وتارة يقال: عدا اللصُّ على المال أي: سَرَقه، وتارة بمعنى (صرف)، وتارةً بمعنى (وثَبَ)، وتارة بمعنى (جاوز)، وتارة فعل استثناء، وتارة حرف جرٍّ فأيُّها أُريدَ في هذه العبارة (٢)؟

فإنْ زعمتَ أنَّها بمعنى (أصاب) فاجْعلْها مكانها لتعرف بيانها، والظاهر أنَّ (ما) استفهامية، و (عدا) بمعنى (صرف) وهي تتعدى إلى واحدٍ بنفسها، وثانٍ بـ (عن) وكلاهما محذوف للعلم به، والمعنى: ما صرفك عن طاعتي؟ و (مِنْ) تبعيضيّة و (ما) موصولة، و (بدا) بمعنى (نشأ) مِن الرأي، أو بمعنى (ظهر) فحينئذٍ يكون المعنى: ما صرفك عن طاعتي ممَّا نشأ لك من الرأي،


(١) راجع هذه المعاني في تاج العروس (١٠/ ٢٣٥)، والمجمل لابن فارس (٣/ ٦٥٢)، والكليات (٣/ ٢٨٤).
(٢) قد ذكر الأزهري في تهذيب اللغة (٣/ ١١٧) قول علي بن أبي طالب ونقل تفسيره عن أئمة اللغة كثعلب وغيره، وذكر عن الأصمعي أنه جعله من قول العامة، وفسره بالاستفهام: أما عدا مَنْ بدأ؟ ومعناه: ألم يتعدَّ الحق مَنْ بدأ بالظلم؟
وانظر شفاء الغليل للخفاجي فقد ذكر العبارة وشرحها. (ص ٢٧٧).