وممَّا يُرجَّح به كونُ الخطاب للنبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وأصحابه أن الدعاء إلى الهدى لا يناسب أن يكون من المشركين.
وقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ [س ٦٥/ب] فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[الأعراف: ١٩٤] التفاتٌ إلى خطاب المشركين، يريد ــ والله أعلم ــ أن الشياطين عبادٌ أمثالكم. ومن حكمة العدول إلى الموصول أن المشركين لم يكونوا يقصدون دعاء الشياطين، وإنما كانوا يقصدون دعاء الملائكة، مع زعم أنهم بنات الله، تعالى الله عن قولهم، وإنما ألزمهم الله تعالى أنهم إنما يدعون الشياطين لأنه ليس في الوجود بناتٌ لله تعالى، والملائكة مع كونهم ليسوا بناتٍ لله تعالى لم يأمروهم بدعائهم ولا رَضُوه, فالأولى حينئذٍ بأن يكون المدعُوَّ هو الذي أمر بالدعاء، وهم الشياطين.
[س ٦٦/أ] وقوله تعالى: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا ... }. هذا أقوى دليل في الآيات على أن المراد الأصنام، ولكن يأباه ما تقدَّم، فتأمَّل هل يحتمل أن يقال: الضمائر في ذلك للمشركين؟ أي: أللمشركين أرجل يمشون بها؟
والمعنى في ذلك إما التقرير، أي: إنَّ لهم أرجلًا يمشون بها إلخ، فهلَّا يتفكَّرون فيها فيعلمون أن خالقها والمنعِم عليهم بها هو الله عزَّ وجلَّ فيعرفوا أنه لا تنبغي العبادة إلَّا له، فيكون هذا مبنيًّا على نحو قوله تعالى:{وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}[الذاريات: ٢١]، وإمَّا الإنكار، والمقصود أن حال المشركين في جهلهم المفرط حالُ الموتى أو الجمادات، بحيث يحسن أن تُنْكَر حياتهم، فيكون هذا مبنيًّا على مثل قوله تعالى:{إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى}