الإشراك فيها بالشيطان، وأواخر الآيات من قوله تعالى:{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ} يوافقه، فيترجَّح بهذا أن المراد بالمدعوِّين الشياطين.
أمَّا ما في الآيات مما فُهم منه أنه لا يصلح إلا للأصنام فهاك جوابَه:
قوله تعالى:{أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} يريد ــ والله أعلم ــ الشياطين؛ فإن الكفار أشركوهم كما مرَّ تقريره، ويأتي إيضاحه إن شاء الله تعالى.
وقوله:{وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ} يريد: الشياطين لا يستطيعون نصرَ المشركين مما يريده الله تعالى بهم، [س ٦٥/أ] ولا نصرَ أنفسهم مما يريده عزَّ وجلَّ بهم.
وقوله:{وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ}، ذهب بعض المفسرين إلى أن الخطاب للنبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وأصحابه، والمعنى: وإن تدعو المشركين.
واعتُرِض عليه بأنه لو كان المراد كذلك لكان الوجه أن يقال: سواء عليهم. وهذا الاعتراض غير قوي. وأقوى منه أن (إنْ) لفرض المستبعد، ودُعاء النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وأصحابه إلى الهدى واقعٌ كثيرٌ، فلو أريد لكان الوجه أن يعبَّر بـ (إذا)، ولكنَّ القاعدة أغلبيّة. وكثيرًا ما تجيء (إنْ) في غير المستبعد، وقد قال الله تعالى خطابًا لنبيِّه صلى الله عليه وسلَّم:{وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا}[الكهف: ٥٧]. فالنكتة في هذه هي النكتة في تلك، والله أعلم. وبهذا يعلم الجواب.