إلى اشتداد الحر ومراعاةً لجانب السيد وأبناء عمه وأعوانه الذين كانوا يتأذون بالحر مع الزحام، بل يبدو لي أن هذه الرسالة قد كتبت بإيعاز من السيد، والله أعلم. وأيًّا كان الأمر، فإننا إذا وزنّا خطب الشيخ بميزانه هذا، لم نجد منها ما يقارب سورة الفجر إلا ثلاث خطب (١٥، ٢٨، ٥٥)، بل الخطبة (٤٠) ختمها الشيخ بتلاوة سورة الفجر كاملة، وهي ثلث الخطبة أو أكثر.
٢) نسج الشيخ خطبه على منوال خطب ابن نباتة، بل نجد خطبة كاملة (٣٨) أخذها الشيخ من خطب ابن نباتة، وتناولها بشيء من التصرف في ألفاظها وجملها، ثم أضاف إليها قبل ختمها بآية من القرآن الكريم حديثًا في فضل ليلة النصف من شعبان. فهذه الخطبة التي ألقيت في شهر شعبان، وأظن أنها من أوائل خطبه، قد اتخذها الشيخ فيما بعد مثالا يحتذيه في خطبه مع بعض الإضافات. وهي أن ابن نباتة لا يورد في خطبه نص الحديث بل يدخله ضمن كلامه، أما الشيخ فقد جعل للحديث في خطبته موضعًا معيَّنًا، وكتب بخط بارز كلمة "حديث"، ثم التزم إيراد حديث أو أكثر بنصه.
والأمور التي تابع الشيخ فيها ابن نباتة: موضوعات الخطبة، وكثرة الجمل الإنشائية، وعدم التمثل فيها بالشعر إلا في خطبة واحدة سيأتي ذكرها، والتمهيد لتلاوة الآية في الخاتمة بمثل هذه العبارة:"هذا، وإن أبدع الكلام نظما ... كلام من وسع كل شيء رحمةً وعلمًا، والله تعالى يقول". هذه العبارة لابن نباتة، وقد كررها الشيخ في الخطبة (٥٣) ثم تفنن كابن نباتة في صياغتها بطرق متنوعة.