ابنَ آدم، إنَّ الدنيا قليل، وصاحبُها عليل، ومنصورُها ذليل، لم يُشْفَ منها غليل، ولا تلذَّذَ بها حتى النهاية خليل.
ابنَ آدم، إنَّ الدنيا كثيرةُ الغُمَم، كبيرةُ النِّقَم، مموَّهةُ النِّعَم، وجودُها إلى العدم. أين الملوكُ من القِدَم؟ أين الرجال الذين ثبت لهم في الدنيا القَدَم؟ أين عادٌ وإرَم؟ أين غيرُهم من الأمم؟ رُدُّوا ــ والله ــ إلى التراب، وآلت دُورُهم إلى الخراب. علِقَتْ بهم براثنُ الأحداث، فأصبحوا جُثَثًا في بطونِ الأجداث.
كانوا أكثرَ منكم أموالًا وأولادًا، وأعظمَ منكم مهابةً وأجسادًا، وأكرمَ منكم نفوسًا وأجدادًا؛ وأشدَّ منكم تنافسًا في الدنيا وتفاضلًا فيها، وأحبَّ منكم لها وأقرب إليها.
عاشوا في التنعُّم والرفاهية، ورُبُّوا في حِجْرِ النِّعم المتناهية، إلى أن دَهَمَتْهم الداهية، فتلك قواهم واهية، ودُورُهم خالية، وعظامُهم بالية. فلو كنتم ذوي عقولٍ لرأيتم ما تقول لكم آثارُهم آمرةً وناهية.
فلو كنتم من ذوي النظر والاختبار، لسمعتم عباراتها، وفهمتم إشاراتها بحواسِّ الاعتبار. ولكنكم منهم أعمَى وأصمُّ، وأبعدُ عن المعرفة بالحُكْم والحِكَم.
فهل لكم في النجاة من المهلكات؟ هل لكم في الفوز بالنعيم المقيم في رفيع الغُرُفات؟ هل لكم في اتباع الخيرات واجتناب الموبقات؟ فاتقوا الله ــ عبادَ الله ــ تفوزوا بالباقيات الصالحات.
هذا، وإنَّ الله سبحانه وتعالى قد مَنَّ علينا وعلى كافَّة المسلمين برفعِه أعلامَ هذا الإمام الأعظم والشريف الأفخم. وتلك من لطائف الله بعباده، ليهديهم إلى سبيل رشاده [ ... ].