للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غيرُ زَلَلِه، ولا يمنعُه من الإحسان غيرُ أملِه. فيا سعادةَ مَن كان عملُه الصالح كثيرًا، وزللُه يسيرًا، وأملُه قصيرًا! ويا شقاوةَ مَن كان عملُه الصالح منزورًا، وزللُه كثيرًا، وأملُه يَعِدُه ويُمنِّيه زُورًا وغرورًا. فاغتنِمُوا صلاحَ العمل قبلَ مفاجأة الأجل (١).

عبادَ الله، إنَّ أمامكم أوجالًا وأهوالًا، وعواقِبَ طِوالًا، وحسابًا وسؤالًا، وسلاسلَ وأغلالًا، وولولةً وثبورًا. انظروا مَن كان قبلكم من الملوك وأُممها، في عربها وعجمها، في شرق الأرض وغربها، ممن سمعتم أو رأيتم أو جهلتم، كانوا أكثرَ منكم أموالًا وأولادًا، وأشدَّ قوةً وأجنادًا، و [أقوى] (٢) هممًا وأجسادًا. استأصَلَهم قابضُ الأرواح، ومعطِّلُ الأشباح، ومُسْقِمُ الصحاح، ومُثيرُ النِّياح، فأودَعَهم قبورًا. فتلك ديارُهم خاوية، ومآثرُهم عافية، وعظامُهم بالية. خانتهم آمالُهم، فدهمتْهم آجالُهم، فلقيتْهم أعمالُهم، وما لكم من مآلٍ إلا مآلهم.

انظروا فيمن عرفتم تجدوا فيهم كثيرًا قد ملكوا، وقد غادروا لكم الدنيا


(١) بعده أربعة أسطر أحاطها بالخط دون الضرب عليها، ولم أجد إشارة إلى نقلها إلى خطبة أخرى، نصُّها: "فإن لم تخشَوا عذاب النار، ولم ترغبوا في الجنة، فاخشَوا عذاب الدنيا؛ فإن ربكم كان قديرًا. يا حياءَنا من إلهٍ خلق السماوات وآياتها، والأرض ومحويَّاتها، ولم يزل يتودَّدُ إلينا بثوابت النعم وعارضاتها؛ كيف نبارزُه بالمحاربة والعناد، ونأمن ما أصاب فرعون وثمود وعاد؟ أم كيف نصرِفُ نعمَه في معصيته، وقد علمتم أنَّ كلَّ ذرة من نعمته؟ ماذا عسانا نُجيبُه عند الحساب؟ ماذا عسانا نعتذر عن التفريط في المتاب؟ ماذا عسانا ندفع به غضبَه والنارُ تُبدي تغيُّظًا وزفيرًا؟ ".
(٢) لم تظهر لتمزُّق الورقة، والقراءة تخمينية.