للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتركوا، ووقعوا إلى ما عملوا، وانقطعوا عما ملكوا، وأنتم سالكون ما سلكوا. وكانوا أشدَّ منكم تفاخرًا، وأكثر تكاثرًا، وأشد بمثل هذا اليوم فرحًا وسرورًا.

عبادَ الله، قد انقرض رمضانُ شاهدًا عدلًا، وحافظًا فصلًا، يشهد للإنسان وعليه، بما استودَعَه لديه. فطوبى لمن غلبت فيه حسناتُه سيئاته، وبُؤسَى لمن غلبتْ سيئاتُه حسناتِه، فكيف بمن لم يكسب من الحسنات نقيرًا!

ولا تقولوا: قد انقضى رمضانُ، فتُقصِّروا عن الطاعة وتنهمكوا في العصيان، فإنَّ الله تعالى موجودٌ معبودٌ بكل مكان وزمان. على أنه ما انقضى رمضانُ إلَّا ودخلت أشهر الحج مواسمُ طاعات ومغانمُ بركات، فمن كان في رمضانَ محسنًا فليزِدْ في إحسانه، ومن كان مقصِّرًا فليُقصِر عن عصيانه. وَلْيندَمْ كلٌّ منكم على ذنوبه، وَلْيكُفَّ عن عيوب الناس وينظُرْ في عيوبه. وَلْيبادِرْ بتَوبة، ويستغفِرْ لِحَوبِة؛ فإنَّ ربَّك كان للأوَّابين غفورًا.

[٢٧ ل/ب] (١) وقد أوجَبَ الله تعالى عليكم زكاةَ الفطر، فيجبُ على


(١) في مطلع الصفحة نحو عشرة أسطر في الدعاء للإمام، أحاطها بالخط دون الضرب عليها. ولم أجد إشارة إلى نقلها إلى خطبة أخرى. ولا يبعد أن يكون ربطها بالأسطر المحاطة السابقة، ولم يظهر الربط للتمزق الواقع بين الصفحتين. ونصُّ الدعاء: "ألا، وإنَّ من أعظم النِّعم عليكم من الله تعالى: أن أقام فيكم إمامَ حقٍّ يدفع عنكم الظَلَمةَ، ويقيم فيكم الشريعةَ المكرَّمةَ. وإنَّ قُطركم هذا هو الآن طائفة الإسلام، وإنَّ قائمكم هو إمام الأنام؛ فاشكروا نعمة الله، إذ اختار لكم خِيرةَ الأحياء من عباده العلماء، الزاهدين الأولياء، وخير ولد ووارث ختام الأنبياء، على حين أصبح الإسلام في الأرض غريبًا لما صابَه من الخطوب وما نابَه من كروب. وقد مُهِّدت لكم بدعوته الزاهرة مصالحُ الدنيا والآخرة. فانظروا ما كنتم فيه قبل دعوته من اشتباك الفتن وإماتة الحدود وتضايق المعايش، وما صرتم إليه بعد قيامه من قيام حدود الله ونَصر شريعة الله وما نلتم به من الغنى والجاه. فإذا وزنتم الحالتين فاشكروا الله تعالى على هذه النعمة الشاملة والبركات الحافلة. واعملوا مع إمامكم ما أمركم به الله تعالى من السمع والطاعة والمعاونة والإخلاص وغيره. فإنَّ طاعته من طاعة الله، كما أنَّ مخالفته مخالفةٌ لله. وشرُّكم أكفرُكم للنِّعَم، سواء كانت من الله تعالى أو من أحد عباده. فإنه لا يشكر الله من لا يشكر الناس".