فبادِرْ أيها الضعيفُ بالأعمال الموجِبة للثواب، وتمسَّكْ من طاعةِ ربِّكَ بأوثقِ الأسباب، قبلَ أن يخطفَك رائدُ المنون من بين أهلِك والأحباب، وينشُلَك من بين أبنائك والأصحاب، فتنزلَ في حفرةٍ ليس لها من باب ولا حجاب، وتلقَى عملَك فتعامَلَ به إمَّا إلى الثَّواب وإمَّا إلى العقاب. وبعد أن تُسألَ عن النعيم وعن الطعام والشَّراب، وتحاسبَ على جميع حركاتك وسَكنَاتِك، فأوَّاه، ما أشدَّ هولَ الحسابَ! فتلقَى من معاتبةِ ربِّكَ ما يسهُل معه هولُ العذاب. كيف لا؟ وأنت بين يدي عالم السِّرِّ وأخفى، شديدِ البطش، ربِّ الأرباب، القائل:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ}[فاطر: ١١].
بينا أنت هكذا منكبًّا على المعاصي، إذ بغَتَك الأجلُ حاسرًا عن الذِّراع، فبادَرَ نفسَك بالاقتلاع، فأسلَمَك أهلُك إلى حفرةٍ دون الباع، فأُودِعْتَ فيها خيرَ إيداع أو شرَّ إيداع.
فحتَّامَ لا ينحسر عن بصيرتك القِناعُ؟ وإلامَ لا تبرَحُ في الانحطاط؟ وفي أيِّ وقت يكون الارتفاع؟ وأيُّ فضل للدِّراية والمعرفة إذا لم يكن به الانتفاع؟ وإلى أيِّ مُدَّةٍ يمتدُّ [ ... ] غرورك وليس لها انقطاع؟ لا تشبَع من الدنيا ولا تقنَع، ولا تزول عنك الأطماع. ونسيت قولَ [ربِّك]: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ}[الرعد: ٢٦].