للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بسيئاته، واغتنِمُوا أعمارَكم فالسعيدُ من صرَفَ [في] طاعة مولاه جميعَ أوقاته، وبادَرَ بالاستعداد لمعاده قبلَ فوَاته، وأخَذَ في التزوُّد ليوم حشرِه قبل وفاته، عالمًا أنَّ الموتَ عمَّا قريبٍ هاذمُ لذَّاتِه، ومبدِّلُ جَمْعِ أحبابه بشَتاته؛ فاغتنَمَ حياتَه باستغراقها في التأهُّب لمماته، واعتبَرَ بشؤونِ الله في خلقه بسواطع آياته، وعَلِمَ أنَّ الحقَّ أحقُّ أن يُتَّبَعَ، فاعتمَدَ عليه في مشتبهاته؛ وأنَّ الباطلَ زائلٌ بطلوعِ شُموسِ الهدى وتجليتِها دوامسَ ظلُماتِه، {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ} [الشورى: ٢٤].

أيها الإنسان، إنما أنت بشرٌ ضعيفٌ لا تملك مِن أمرك مِن نَقِير. قد بُلِّغْتَ ما أوجَبَه عليك الملكُ القدير، وجاء به رسولُه الطاهر المطهَّر البشير النذير. فانتبِهْ من منامك في الغفلة عن مخالفة الملك الكبير (١)، وتحفَّظْ عن معاندته بالمعاصي: كبيرٍ أو صغيرٍ. ولا تتساهَلْ بشيء منها عظيمٍ أو حقيرٍ. واعلموا أنَّ ما ينالكم من النوائب هو ثمرةُ صنيعكم النكير. {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: ٣٠].

هاتان جماديانِ مفارِقتانِ منزلَكم، وهذا رجب قاصدٌ لِرَبْعكم، شهرٌ فضَّلَ الله الأعمالَ فيه عليها في غيره، فاستيقِظُوا (٢) من غفلتكم فحسِّنوا عملكم ليكون عند حُلولِ أرماسِكم مؤنسَكم. والله تعالى يقول: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا (٣) فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ


(١) كذا وردت هذه الجملة.
(٢) كتبها في الأصل بالضاد.
(٣) في الأصل: "شهر".