للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تستعملونها في معصيته، وتضنُّون بها عن طاعته، وتوالُون بها أعداءه، وتُعادون بها أولياءه. فإنه تعالى يُمهلكم ولا يُهملكم، ويؤخِّركم ولا يُعاجلكم. وأنتم عمَّا هو أقربُ إليكم منكم غافلون، وإلى أجيَف الجِيَف عند الله ــ وهي الدنيا ــ مبادِرُون، ولِما خُلِقْتُم له ــ وهي العبادة ــ تاركون، ولما علمتم أنَّ فيه هلاككم ملازمون. كأنكم لم تسمعوا للموت داعيًا، ولم تُجيبوا في الأرض ناعيًا، ولم تعلموا الذئبَ لكم راعيًا، ولم يخلق الله منكم واعيًا! ألم تبلغكم الأوامر؟ ألم تنهركم الزواجر؟ ألا تخشون دوران [الدوائر ... ] دونكم ما هو إليه صائر.

[ل ٦٦] هذا حادي مطايا النفوس يختطفكم واحدًا فواحدًا، ويقتطفكم راقدًا فراقدًا! قد علمتم أين ذهب العوالم؟ أين ذهب الأنبياء؟ أين ذهب الأتقياء؟ أين ذهب الملوك الأكابر؟ أين ذهب الفراعنة الجبابر؟ هل هم إلا في شبكته وقعوا، وإلى أجداثهم دُفِعوا، وبين الحجر والمدر وُضعِوا، بعد أن صَنَعوا ما صَنَعوا.

فبالله عليكم، هل نعلم أنَّا صائرون إلى ما إليه صاروا، وسائرون مُجِدُّون إلى ما إليه ساروا، وقادمون إلى ما قَدِموا، ونادمون كما ندموا وواجِدون ما وجدوا، وعادمون ما عَدِموا؟

بينا أنت أيها العاصي متقلِّبٌ في فراش غرورك، غافلٌ عن مسيرك ومصيرك، ساحبٌ في معصية الله تعالى أذيالَ أمورك، زاعمٌ أنَّك غيرُ هالك، مُطوِّلٌ حِبالَ آمالِك، طاوٍ بساطَ أعمالِك، ظانٌّ أنه كما صنع الله تعالى في إمهالك سيصنع في إهمالك؛ معجَبٌ بجمالك ومالِك، منخرطٌ في سلك العصيان أكثرُ أقوالك وأفعالك= إذ نزل بك رائدُ المنون، فاختطفَك من بين