وَيَطِيبُوا نَفْسًا بِهَذِهِ الْبُقْعَةِ، فَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابَ أَمَانٍ بِهَا.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْجَامِعَ الْأُمَوِيَّ كَانَ حِينَ تَكَامَلَ بِنَاؤُهُ لَيْسَ لَهُ فِي الدُّنْيَا مثيل فِي حُسْنِهِ وَبَهْجَتِهِ، قَالَ الْفَرَزْدَقُ: أَهْلُ دِمَشْقَ في بلادهم في قصر من قصور الجنة- يعنى الجامع- وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ ثَوْبَانَ: مَا يَنْبَغِي لأحد من أهل الأرض أن يكون أَشَدَّ شَوْقًا إِلَى الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ، لِمَا يَرَوْنَ مِنْ حُسْنِ مَسْجِدِهَا. قَالُوا: وَلَمَّا دخل أمير المؤمنين المهدي دمشق يريد زيارة القدس نَظَرَ إِلَى جَامِعِ دِمَشْقَ فَقَالَ لِكَاتِبِهِ أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ الْأَشْعَرِيِّ:
سَبَقَنَا بَنُو أُمَيَّةَ بِثَلَاثٍ، بهذا المسجد الّذي لَا أَعْلَمُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِثْلَهُ، وَبِنُبْلِ الموالي، وبعمر ابن عَبْدِ الْعَزِيزِ، لَا يَكُونُ وَاللَّهِ فِينَا مِثْلُهُ أَبَدًا. ثُمَّ لَمَّا أَتَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَنَظَرَ إِلَى الصَّخْرَةِ- وَكَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ هُوَ الَّذِي بَنَاهَا- قَالَ لِكَاتِبِهِ: وَهَذِهِ رَابِعَةٌ. وَلَمَّا دَخَلَ الْمَأْمُونُ دِمَشْقَ فَنَظَرَ إِلَى جَامِعِهَا وَكَانَ مَعَهُ أَخُوهُ الْمُعْتَصِمُ، وَقَاضِيهِ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ، قَالَ: مَا أَعْجَبُ مَا فِيهِ؟ فَقَالَ أَخُوهُ: هَذِهِ الْأَذْهَابُ الَّتِي فِيهِ، وَقَالَ يَحْيَى بن أكثم: الرخام وهذه العقد، فقال المأمون: إني إِنَّمَا أَعْجَبُ مِنْ حُسْنِ بُنْيَانِهِ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ مُتَقَدِّمٍ، ثُمَّ قَالَ الْمَأْمُونُ لِقَاسِمٍ التَّمَّارِ: أَخْبِرْنِي بِاسْمٍ حَسَنٍ أُسَمِّي بِهِ جَارِيَتِي هَذِهِ، فَقَالَ: سَمِّهَا مَسْجِدَ دِمَشْقَ، فَإِنَّهُ أَحْسَنُ شَيْءٍ. وقال عبد الرحمن عن ابن عَبْدِ الْحَكَمِ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ: عَجَائِبُ الدُّنْيَا خَمْسَةٌ: أَحَدُهَا مَنَارَتُكُمْ هَذِهِ- يَعْنِي مَنَارَةَ ذِي القرنين بِإِسْكَنْدَرِيَّةَ- وَالثَّانِيَةُ أَصْحَابُ الرَّقِيمِ وَهْمُ بِالرُّومِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، وَالثَّالِثَةُ مِرْآةٌ بِبَابِ الْأَنْدَلُسِ عَلَى بَابِ مَدِينَتِهَا، يَجْلِسُ الرَّجُلُ تَحْتَهَا فَيَنْظُرُ فِيهَا صاحبه من مسافة مائة فرسخ. وقيل ينظر من بالقسطنطينية، وَالرَّابِعُ مَسْجِدُ دِمَشْقَ وَمَا يُوصَفُ مِنَ الْإِنْفَاقِ عليه، والخامس الرخام والفسفساء، فإنه لا يدرى لها مَوْضِعٌ، وَيُقَالُ إِنَّ الرُّخَامَ مَعْجُونٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَذُوبُ عَلَى النَّارِ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: وَذَكَرَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي اللَّيْثِ الْكَاتِبُ- وَكَانَ قَدِمَ دِمَشْقَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ- فِي رِسَالَةٍ لَهُ قَالَ: ثُمَّ أُمِرْنَا بِالِانْتِقَالِ فَانْتَقَلْتُ مِنْهُ إِلَى بَلَدٍ تَمَّتْ مَحَاسِنُهُ، وَوَافَقَ ظَاهِرَهُ بَاطِنُهُ، أَزِقَّتُهُ أَرِجَةٌ، وَشَوَارِعُهُ فَرِجَةٌ، فَحَيْثُ ما مشيت شَمَمْتَ طِيبًا، وَأَيْنَ سَعَيْتَ رَأَيْتَ مَنْظَرًا عَجِيبًا، وإن أفضيت إلى جامعه شاهدت مِنْهُ مَا لَيْسَ فِي اسْتِطَاعَةِ الْوَاصِفِ أَنْ يَصِفَهُ، وَلَا الرَّائِي أَنْ يُعَرِّفَهُ، وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ كنز الدَّهْرِ وَنَادِرَةُ الْوَقْتِ، وَأُعْجُوبَةُ الزَّمَانِ، وَغَرِيبَةُ الْأَوْقَاتِ، وَلَقَدْ أَثْبَتَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ ذِكْرًا يُدْرَسُ، وَخَلَّفَ بِهِ أَمْرًا لَا يَخْفَى وَلَا يدرس. قال ابن عساكر: وأنشدنى بعض الْمُحَدِّثِينَ فِي جَامِعِ دِمَشْقَ عَمَّرَهُ اللَّهُ بِذِكْرِهِ وفي دمشق فقال:
دِمَشْقُ قَدْ شَاعَ حُسْنُ جَامِعِهَا ... وَمَا حَوَتْهُ رُبَى مَرَابِعِهَا
بَدِيعَةُ الْحَسَنِ فِي الْكَمَالِ لِمَا ... يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ مِنْ بَدَائِعِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute