للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَكَامَلَ اجْتِمَاعُ النَّاسِ وَجَاءَ أَبُو إِسْحَاقَ لِيُدَرِّسَ لَقِيَهُ فَقِيهٌ شَابٌّ فَقَالَ: يَا سَيِّدِي تَذْهَبُ تدرس في مكان مغصوب؟ فامتنع أبو إسحاق مِنَ الْحُضُورِ وَرَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ، فَأُقِيمَ الشَّيْخُ أبو نصر الصَّبَّاغِ فَدَرَّسَ، فَلَمَّا بَلَغَ نِظَامَ الْمُلْكِ ذَلِكَ تَغَيَّظَ عَلَى الْعَمِيدِ وَأَرْسَلَ إِلَى الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ فَرَدَّهُ إِلَى التَّدْرِيسِ بِالنِّظَامِيَّةِ، فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَكَانَ لَا يُصَلِّي فيها مكتوبة، بل كان يخرج إلى بعض المساجد فيصلي، لما بلغه من أنها مغصوبة، وقد كان مدة تدريس ابن الصباغ فيها عشرين يوما، ثم عاد أَبُو إِسْحَاقَ إِلَيْهَا. وَفِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ الصُّلَيْحِيُّ أَمِيرُ الْيَمَنِ وَصَاحِبُ مَكَّةَ قَتَلَهُ بَعْضُ أُمَرَاءِ الْيَمَنِ، وَخُطِبَ لِلْقَائِمِ بأمر الله العباسي. وفيها حج بالناس أبو الغنائم النقيب.

وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ.

مُحَمَّدُ بْنُ إسماعيل بن محمد

أبو على الطرسوسي، وَيُقَالُ لَهُ الْعِرَاقِيُّ، لِظَرْفِهِ وَطُولِ مُقَامِهِ بِهَا، سَمِعَ الْحَدِيثَ مِنْ أَبِي طَاهِرٍ الْمُخَلِّصِ، وَتَفَقَّهَ على أبى محمد الباقي، ثُمَّ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ، وَوَلِيَ قضاء بلدة طرسوس وكان من الفقهاء الفضلاء المبرزين.

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتِّينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النبويّة

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: فِي جُمَادَى الْأُولَى كَانَتْ زَلْزَلَةٌ بِأَرْضِ فِلَسْطِينَ، أَهْلَكَتْ بَلَدَ الرَّمْلَةِ، وَرَمَتْ شراريف مِنْ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولحقت وادي الصفر وخيبر، وانشقت الأرض عن كنوز كثيرة مِنَ الْمَالِ، وَبَلَغَ حِسُّهَا إِلَى الرَّحْبَةِ وَالْكُوفَةِ، وجاء كتاب بعض التجار فيه ذكر هذه الزلزلة وذكر فيه إِنَّهَا خَسَفَتْ الرَّمْلَةَ جَمِيعًا حَتَّى لَمْ يَسْلَمْ مِنْهَا إِلَّا دَارَانِ فَقَطْ، وَهَلَكَ مِنْهَا خَمْسَ عشرة ألف نسمة، وانشقت صخرة بيت المقدس، ثم عادت فالتأمت، وَغَارَ الْبَحْرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ، وَسَاخَ فِي الْأَرْضِ وَظَهَرَ فِي مَكَانِ الْمَاءِ أَشْيَاءُ مِنْ جَوَاهِرَ وَغَيْرِهَا، وَدَخَلَ النَّاسُ فِي أَرْضِهِ يَلْتَقِطُونَ، فَرَجَعَ عليهم فأهلك كثيرا منهم، أو أكثرهم. وفي يوم النِّصْفِ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ قُرِئَ الِاعْتِقَادُ الْقَادِرِيُّ الّذي فيه مذهب أهل السنة، وَالْإِنْكَارُ عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ، وَقَرَأَ أَبُو مُسْلِمٍ الكجي الْبُخَارِيُّ الْمُحَدِّثُ كِتَابَ التَّوْحِيدِ لِابْنِ خُزَيْمَةَ عَلَى الْجَمَاعَةِ الْحَاضِرِينَ. وَذُكِرَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الْوَزِيرِ ابْنِ جهير وجماعة الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ الْكَلَامِ، وَاعْتَرَفُوا بِالْمُوَافَقَةِ، ثُمَّ قُرِئَ الاعتقاد القادري على الشريف أبى جعفر بن المقتدى باللَّه بِبَابِ الْبَصْرَةِ، وَذَلِكَ لِسَمَاعِهِ لَهُ مِنَ الْخَلِيفَةِ الْقَادِرِ باللَّه مُصَنِّفُهُ.

وَفِيهَا عَزَلَ الْخَلِيفَةُ وَزِيرَهُ أَبَا نَصْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ جَهِيرٍ، الْمُلَقَّبَ فَخْرَ الدَّوْلَةِ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ يُعَاتِبُهُ فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ، فَاعْتَذَرَ مِنْهَا وَأَخَذَ فِي التَّرَفُّقِ وَالتَّذَلُّلِ، فَأُجِيبَ بِأَنْ يَرْحَلَ إِلَى أَيِّ جهة شاء، فاختار ابن مزيد فباع أصحابه أملاكهم وَطَلَّقُوا نِسَاءَهُمْ وَأَخَذَ أَوْلَادَهُ وَأَهْلَهُ وَجَاءَ لِيَرْكَبَ في سفينة لينحدر منها إلى الحلة، والناس يتباكون حوله لِبُكَائِهِ، فَلَمَّا اجْتَازَ بِدَارِ الْخِلَافَةِ قَبَّلَ الْأَرْضَ دفعات

<<  <  ج: ص:  >  >>