عليه، وذكر أن نائب غزة قصده ليقبض عليه بمرسوم السلطان ورد عليه من الكرك، فهرب الأحمدي بسبب ذلك، ولما وصل الخبر إلى دمشق وليس بها نائب انزعج الأمراء لذلك، واجتمعوا بدار السعادة، وضربوا في ذلك مشورة ثم جردوا إلى ناحية بعلبكّ أميرا ليصدوه عن الذهاب إلى البرية. فلما أصبح الصباح من يوم الإثنين جاء الخبر بأنه في نواحي الكسوة، ولا مانع من خلاصه، فركبوا كلهم ونادى المنادي: من تأخر من الجند عن هذا النفير شنق، واستوثقوا في الخروج وقصدوا ناحية الكسوة وبعثوا الرسل إليه، فذكر اعتذارا في خروجه وتخلص منهم، وذهب يوم ذلك، ورجعوا وقد كانوا ملبسين في يوم حار، وليس معهم من الأزواد ما يكفيهم سوى يومهم ذلك، فلما كانت ليلة الثلاثاء ركب الأمراء في طلبه من ناحية ثنية العقاب، فرجعوا في اليوم الثاني وهو في صحبتهم، ونزل في القصور التي بناها تنكز ﵀، في طريق داريا، فأقام بها، وأجروا عليه مرتبا كاملا من الشعير والغنم وما يحتاج إليه مثله، ومعه مماليكه وخدمه، فلما كان يوم الثلاثاء سادس المحرم ورد كتاب من جهة السلطان فقرئ على الأمراء بدار السعادة يتضمن إكرامه واحترامه والصفح عنه لتقدم خدمه على السلطان الملك الناصر وابنه الملك المنصور. ولما كان يوم الأربعاء سابع المحرم [جاء كتاب] إلى الأمير ركن الدين بيبرس نائب الغيبة ابن الحاجب ألمش بالقبض على الأحمدي، فركب الجيش ملبسين يوم الخميس وأوكبوا بسوق الخيل وراسلوه - وقد ركب في مماليكه بالعدد وأظهر الامتناع - فكان جوابه أن لا أسمع ولا أطيع إلا لمن هو ملك الديار المصرية، فأما من هو مقيم بالكرك ويصدر عنه ما يقال عنه من الأفاعيل التي قد سارت بها الركبان، فلا. فلما بلغ الأمراء هذا توقفوا في أمره وسكنوا ورجعوا إلى منازلهم، ورجع هو إلى قصره.
[ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة]
استهلت هذه السنة المباركة وسلطان المسلمين الملك الناصر ناصر الدين محمد بن الملك المنصور قلاوون، وهو مقيم بالكرك، قد حاز الحواصل السلطانية من قلعة الجبل إلى قلعة الكرك، ونائبة الديار المصرية الأمير سيف الدين آقسنقر السلارى، الّذي كان نائبا بغزة، وقضاة الديار المصرية هم المذكورون في السنة الماضية، سوى القاضي الحنفي. وأما دمشق فليس لها نائب إلى حينئذ غير أن الأمير ركن الدين بيبرس الحاجب كان استنابه الفخرى بدمشق نائب غيبته، فهو الّذي يسد الأمور مع الحاجب ألمش، وتمر المهمندار، والأمير سيف الدين الملقب بحلاوة، والى البر، والأمير ناصر الدين ابن ركباس متولى البلد، هؤلاء الذين يسدون الأشغال والأمور السلطانية، والقضاة هم الذين ذكرناهم في السنة الخالية، وخطيب البلد تاج الدين عبد الرحيم بن القاضي جلال الدين القزويني، وكاتب السر القاضي شهاب الدين بن فضل الله.