والطاعة، وأرسل يعتذر مما وقع. وقال: الحرب كانت شغلته عن التروي في كثير من ذلك، وأما لقبه بالناصر فهو من أيام الخليفة المستضيء، ومع هذا فمهما لقبني أمير المؤمنين فلا أعدل عنه، وتأدب مع الخليفة غاية الأدب مع غناه عنه.
وفيها كانت وقعة عظيمة ببلاد الهند بين الملك شهاب الدين الغورى صاحب غزنة، وبين ملك الهند الكبير، فأقبلت الهنود في عدد كثير من الجنود، ومعهم أربعة عشر فيلا، فالتقوا واقتتلوا قتالا شديدا، فانهزمت ميمنة المسلمين وميسرتهم، وقيل للملك أنج بنفسك، فما زاده ذلك إلا إقداما، فحمل على الفيلة فجرح بعضها - وجرح الفيل لا يندمل - فرماه بعض الفيالة بحربة في ساعده فخرجت من الجانب الآخر فخر صريعا، فحملت عليه الهنود ليأخذوه فجاحف عنه أصحابه فاقتتلوا عنده قتالا شديدا، وجرت حرب عظيمة لم يسمع بمثلها بموقف، فغلب المسلمون الهنود وخلصوا صاحبهم وحملوه على كواهلهم في محفة عشرين فرسخا، وقد نزفه الدم، فلما تراجع إليه جيشه أخذ في تأنيب الأمراء، وحلف ليأكلن كل أمير عليق فرسه، وما أدخلهم غزنة إلا مشاة.
وفيها ولدت امرأة من سواد بغداد بنتا لها أسنان. وفيها قتل الخليفة الناصر أستاذ داره أبا الفضل بن الصاحب، وكان قد استحوذ على الأمور ولم يبق للخليفة معه كلمة تطاع، ومع هذا كان عفيفا عن الأموال، جيد السيرة، فأخذ الخليفة منه شيئا كثيرا من الحواصل والأموال. وفيها استوزر الخليفة أبا المظفر جلال الدين، ومشى أهل الدولة في ركابه حتى قاضى القضاة ابن الدامغانيّ وقد كان ابن يونس هذا شاهدا عند القاضي، وكان يقول وهو يمشى في ركابه لعن الله طول العمر، فمات القاضي في آخر هذه السنة.
[وفيها توفى من الأعيان.]
[الشيخ عبد المغيث بن زهير الحربي]
كان من صلحاء الحنابلة، وكان يزار، وله مصنف في فضل يزيد بن معاوية، أتى فيه بالغرائب والعجائب، وقد رد عليه أبو الفرج ابن الجوزي فأجاد وأصاب، ومن أحسن ما اتفق لعبد المغيث هذا أن بعض الخلفاء - وأظنه الناصر - جاءه زائرا مستخفيا، فعرفه الشيخ عبد المغيث ولم يعلمه بأنه قد عرفه، فسأله الخليفة عن يزيد أيلعن أم لا؟ فقال لا أسوغ لعنه لأني لو فتحت هذا الباب لأفضى الناس إلى لعن خليفتنا. فقال الخليفة: ولم؟ قال: لأنه يفعل أشياء منكرة كثيرة، منها كذا وكذا، ثم شرع يعدد على الخليفة أفعاله القبيحة، وما يقع منه من المنكر لينزجر عنها، فتركه الخليفة وخرج من عنده وقد أثر كلامه فيه، وانتفع به. مات في المحرم من هذه السنة. وفيها توفى الشيخ
[على بن خطاب بن خلف]
العابد الناسك، أحد الزهاد، وذوى الكرامات، وكان مقامه بجزيرة ابن عمر. قال ابن الأثير