للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما شاء، ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به، فانا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا. فقال ابن الدغنة ذلك لأبي بكر، فلبث أبو بكر بذلك يعبد ربه في داره، ولا يستعلن بصلاته، ولا يقرأ في غير داره. ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره وكان يصلى فيه ويقرأنّ القرآن، فكان (١) نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه. وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن، فافزع ذلك أشراف قريش من المشركين فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم. فقالوا: إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره، فقد جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره فأعلن في الصلاة والقراءة فيه، وإنا قد خشينا أن يفتتن أبناؤنا ونساؤنا فإنه فان أحب على ان يقتصر ان يعبد ربه في داره فعل، وأن أبى إلا أن يعلن ذلك فسله ان يرد عليك ذمتك فانا قد كرهنا نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان. قالت عائشة: فأتى ابن الدغنة إلى أبى بكر فقال قد علمت الّذي قد عاقدت عليه قريش (٢) فاما ان تقتصر على ذلك وأما ان ترد إلى ذمتي فانى لا أحب أن تسمع العرب أنى أخفرت في رجل عقدت له. فقال أبو بكر: فانى أرد عليك جوارك وأرضى بجوار الله ﷿. ثم ذكر تمام الحديث في هجرة أبى بكر مع رسول الله كما سيأتي مبسوطا.

قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق قال: لقيه - يعنى أبا بكر الصديق حين خرج من جوار ابن الدغنة - سفيه من سفهاء قريش وهو عامد إلى الكعبة فحثا على رأسه ترابا، فمر بأبي بكر الوليد بن المغيرة - أو العاص بن وائل - فقال له أبو بكر : ألا ترى ما يصنع هذا السفيه؟ فقال: أنت فعلت ذلك بنفسك. وهو يقول أي رب ما أحلمك، اى رب ما أحلمك، أي رب ما أحلمك.

[فصل]

كل هذه القصص ذكرها ابن إسحاق معترضا بها بين تعاقد قريش على بنى هاشم وبنى المطلب وكتابتهم عليهم الصحيفة الظالمة وحصرهم إياهم في الشعب، وبين نقض الصحيفة وما كان من أمرها وهي أمور مناسبة لهذا الوقت، ولهذا قال الشافعيّ : من أراد المغازي فهو عيال على ابن إسحاق.

[ذكر نقض الصحيفة]

قال ابن إسحاق: هذا وبنو هاشم، وبنو المطلب في منزلهم الّذي تعاقدت فيه قريش عليهم


(١) في النسخة المصرية: فيتقذف نساء المشركين إلخ.
(٢) في المصرية: قد عاقدتك عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>